يشير مصطلح العاملون الصحيون أو العاملون في القطاع الصحي (Health Workers) إلى جميع الأشخاص المنخرطين في أعمال تهدف في أساسها إلى تحسين صحة الفرد والمجتمع، من خلال تطبيق سبل الوقاية من الأمراض، وتنفيذ إجراءات التشخيص والعلاج، ودفع المجال الطبي برمته نحو التطور والتحديث بشكل دائم. وتتضمن هذه الفئة ما يعرف بأفراد الطاقم الطبي، مثل الأطباء، والممرضات، والقابلات، والصيادلة، وفنيي المعامل، بالإضافة إلى طاقم الإدارة والخدمات المساندة، مثل مديري المستشفيات، والمسؤولين الماليين، وعمال النظافة، والسائقين، ومسؤولي الخدمات الغذائية، وغيرهم. وتقدر منظمة الصحة عدد العاملين في القطاع الصحي حول العالم بستين مليوناً، ثلثاهم ضمن قسم أفراد الطاقم الطبي، والثلث الباقي ضمن قسم الإدارة والخدمات المساندة. ومثل العاملين في بقية القطاعات المهنية والعمالية، يسعى العاملون في المجال الصحي بأقسامه المختلفة، للعمل في أماكن تمنحهم مزايا وظروفاً أفضل، ليس فقط على الصعيد المادي، وإنما أيضاً على صعيد الرضا الوظيفي، ومستوى ونوعية الإدارة، والفرص المهنية المتاحة حالياً ومستقبلياً. وهذه العوامل السابقة تعتبر عوامل جاذبة لانتقال أو هجرة العاملين الصحيين، وإن كانت هناك مجموعة أخرى، أو عوامل طاردة، تدفع العاملين الصحيين للانتقال والهجرة، مثل عدم الاستقرار السياسي، والحروب والصراعات المسلحة، وخطر التعرض للعنف في أماكن العمل، أو أثناء ممارسات الحياة اليومية الاعتيادية. ودائماً ما تتخذ حركة انتقال وهجرة العاملين الصحيين منحى تدرجياً تصاعدياً، من المناطق النائية والفقيرة إلى المدن والمناطق الغنية داخل الدولة الواحدة، ومن الدول الفقيرة إلى الدول الأعلى دخلاً، داخل القارة الواحدة، أو بين القارات المختلفة. كما تتخذ هذه الحركة اتجاهاً نوعياً أحياناً، من القطاع الحكومي أو العام إلى القطاع الخاص، الذي غالباً ما يوفر عائداً مادياً أعلى وظروف عمل أفضل من القطاع الحكومي. ومما لاشك فيه أن ظاهرة العولمة قد ساعدت وسهلت من الهجرة لجميع الفئات المهنية والعمالية، إلا أن فئة العاملين الصحيين تعرضت لقوى جذب أكبر من مثيلاتها، بسبب زيادة الطلب من قبل الدول الغنية على أفراد هذه الفئة، نتيجة لعدم قدرتها على تدريب وتأهيل موارد بشرية صحية محلية كافية، في الوقت الذي يتقاعد فيه عدد متزايد من الموارد البشرية العاملة حالياً، دون أن يتم إحلالها واستبدالها بدماء جديدة بمعدلات كافية. وبوجه عام، يشهد الطلب على الخدمات الصحية تزايداً مستمراً في هذه الدول، نتيجة لظاهرة زيادة متوسط أعمار أفرادها، مع ما يتطلبه ذلك من رعاية صحية خاصة، مع زيادة معدلات الإصابة بالأمراض غير المعدية المزمنة، مثل داء السكري، وأمراض القلب، وخصوصاً في المناطق الريفية والنائية. وهذا الطلب المتزايد على الموارد البشرية الطبية من قبل الدول الغنية، أدى في بعض الدول التي تتمتع بمستوى جيد من التعليم الطبي، مثل الفلبين، وجامايكا، وفيجي، ومورشيوس، إلى تفاقم ظاهرة التحاق الكثيرين بمؤسسات التعليم الطبي، وخصوصاً مدارس وكليات التمريض، بنية الهجرة عند انتهاء دراستهم إلى دول تمنحهم فرصة الحصول على دخل مالي أعلى مما هو متاح في بلادهم. بل إن بعض الدول، مثل الفلبين، أصبحت تسعى لتعظيم الاستفادة من الطلب العالمي المتزايد على الموارد البشرية الطبية، من خلال إنشاء وتنظيم البرامج الدراسية لطلاب المؤسسات التعليمية الصحية، بشكل يضمن تأهيلهم ومطابقتهم لشروط ومتطلبات الهجرة والعمل في الدول الغنية لاحقاً. وغالباً ما تنتج عن انتقال وهجرة العاملين في المجال الصحي تبعات، إما سلبية أحياناً، أو إيجابية أحياناً أخرى. فعلى سبيل المثال، عندما يغادر نظاماً صحياً ما عدد كبير من الأطباء والممرضات، تخسر الدولة التي استثمرت موارد مالية ضخمة في تدريبهم وتعليمهم، عائد هذا الاستثمار على النظام الصحي الوطني وعلى الاقتصاد عامة. وإن كانت خسارة هذا العائد على الاستثمار ليست هي الضرر الأكبر، بل إن الطامة الكبرى تنتج في الحقيقة من أن انتقال وهجرة عدد كبير من الأطباء والممرضات قد يؤدي إلى انهيار نظام الرعاية الصحية برمته، إذا ما كان هذا النظام أساساً يعاني نقصاً في الموارد البشرية المؤهلة وشحاً في المصادر المالية الضرورية، كما هو الحال مع غالبية النظم الصحية في الدول النامية والفقيرة. وتبعات مثل هذا الانهيار، لن تقاس حينها بقيمة العوائد الاستثمارية أو الخسائر الاقتصادية، وإنما بقيمة الإعاقات والوفيات التي سيتعرض لها أفراد هذا المجتمع في المحصلة النهائية. أما على الجانب الإيجابي، فتعتبر العقول والكفاءات الصحية والطبية المهاجرة، أحد أكبر وأفضل مصادر التحويلات المالية لعائلاتها ودولها الفقيرة، وهي التحويلات التي تقدر بمليارات الدولارات سنوياً، إلى درجة أنها تعتبر أحد أفضل سبل مكافحة الفقر في تلك الدول. هذا بالإضافة إلى أن هذه العقول المهاجرة، كثيراً ما تعود إلى مسقط رأسها بمهارات وخبرات فاعلة، تساهم في تطوير وتحديث نظام الرعاية الصحية في بلادها. وهذه الصورة المختلطة، بين الإيجابيات والسلبيات، تظهر أنه من الضروري تنظيم وتقنين هجرة العقول والموارد البشرية الصحية والطبية، مشاركة بين الدول الرافدة ودول المقصد، بشكل يضمن تحقيق أقصى فائدة للشركاء، ويقلل بأكبر قدر ممكن من التبعات السلبية على جميع الأطراف.