قامت خلال العامين الماضيين ثورات عربية في كل من تونس، وليبيا، واليمن، ومصر! حيث أطاحت بأنظمة استبدادية، وصل عُمرُ بعضها إلى أربعين عاماً، في ظل زعيم واحد، للأسف لم يورد بلاده إلى ما أملهُ شعبه. فكان الجوع وسوء الإدارة والظلم وقمع الحريات. وكان أيضاً تغوّل حزب واحد هو الحزب الحاكم على مقدرات الشعب، بل واتجاه بعض هؤلاء الحكام «الديمقراطيين» نحو توريث أبنائهم للحكم في نظم جمهورية. وكانت أيضاً استفادة من هُم حول الرئيس بكل المقدرات، بينما يعيش الشعب حالة الفاقة وسوء المنقلب، وتغول السلطة على الدولة في ظل غياب المؤسسات. وللأسف لم تتمكن الثورات من تحقيق ما أملته الشعوب المنتفضة صاحبة الثورات! بل دخل بعضها في أنفاق مظلمة وعداوات، ودخل البعض الآخر في متاهات دموية، لأن العقلية العربية ما زالت لا تؤمن بالتعددية، وترى أن من لم يكن معي فهو ضدي!. وهكذا انشطرت الثورة المصرية بعد أن وصل «الإخوان المسلمون» إلى سدة الحكم، حتى شاعت مقولة «خطف الثورة». والحال أن الثورات العربية لم تنتج نموذجاً يُحتذى في ظل واقع ما بعد الثورة. وإذا ما تجاوزنا تونس، حيث إنها أقل الثورات دموية وصداماً، فإن واقع الحال في بقية البلدان ما زال غير مطمئن، مع استمرار النزيف السوري المؤلم ووصول أنباء عن استخدام النظام السوري السلاح الكيمياوي ضد المواطنين، بعد أن سقط عشرات الآلاف من الأبرياء المطالبين بالحرية والعدالة، كما تدمرت البنى التحتية على إثر قصف الطائرات والدبابات لكل المرافق وبيوت الشعب. والأهم في الثورات العربية هي الثورة المصرية دون منازع، نظراً لمكانة مصر في الحراك السياسي والعسكري والفكري في المنطقة. ولقد برز الجيش المصري مؤخراً كرقم له حضور، بعد أن قام الرئيس المصري بتغيير قياداته قبل فترة. وكان الجيش -بعد حوادث الغليان التي أصابت الشارع المصري على إثر الإعلان الدستوري الأول في نوفمبر الماضي- قد أعلن دعمه للحوار الوطني والمسار الديمقراطي، ودعا الفرقاء إلى اعتماد الحوار «مُحذراً» بأنه «لن يسمح بأن تدخل البلاد نفقاً مظلماً نتائجه كارثية»! فيما لجأ الرئيس المصري إلى الإعلان بأنه سيُعدّل الإعلان الدستوري الذي منحهُ صلاحيات واسعة. ويبدو أن بيان مؤسسة الجيش زاد من الارتباكات الحاصلة بين الفرقاء المصريين، وخصوصاً أن بياناً آخر منح ضباط وضباط صف الجيش سلطة الضبطية القضائية، ما يخولهم توقيف المدنيين. وهذه نقطة مهمة قد تضيف إلى حالة الغليان الحالية بما يشبه حالة الطوارئ التي عانى منها المصريون كثيراً في ظل نظام مبارك السابق. ويرى أتباع النظام السابق والليبراليون واليساريون أن الرئيس مرسي قفي إصداره الأول، جمع السلطات في يده لوحده، ما يتنافى مع أهداف الثورة، وفصل السلطات والتوجه الديمقراطي. ويرون أن عليه الخروج من عباءة «المرشد العام» ليكون رئيساً لكل المصرين بكافة أطيافهم. وفي الوقت الذي أعلن فيه ائتلاف الأحزاب والحركات الإسلامية (يضم 13 تنظيماً) رفضه تأجيل الاستفتاء على مشروع الدستور، فإن المعارضة -ممثلة في جبهة الإنقاذ الوطني- رفضت دعوة الرئيس للحوار، معتبرة أن الحوار غير جدي دون الاستجابة لمطالبها. كما أن اتهامات بالتآمر والتخوين قد تم تبادلها بين الطرفين، عندما أعلن نائب المرشد العام لـ«الإخوان»، خيرت الشاطر أن «قوى تتآمر لإفشال التجربة الديمقراطية في مصر». كما دخل الإعلام المصري بكافة توجهاته على خط المواجهة. والتخوف الذي يُثار هو عودة العسكر إلى حكم مصر! وذلك أن 4 رؤساء قد حكموا البلاد عبر مؤسسة الجيش، باستثناء مرسي الذي جاء مدنياً وعبر صناديق الاقتراع. وعودة «العسكر» قد تقلب موازين عدة، يتخوف منها الإسلاميون، وربما لن تغضب المعارضة في ظل واقع الحال. وإذا ما استرجعنا نسبة فوز مرسي على منافسه في الانتخابات (حوالي 52 في المئة من أصوات الناخبين)؛ فإن المعارضة تشكل نسبة ليست بالقليلة في المعادلة، وهذا ما حدا ببعض المحللين إلى القول إن ما ساعدَ «الإخوان المسلمين» على الفوز في الانتخابات هو أنهم أكثر تنظيماً في عملهم من تشكيل المعارضة الذي لم تثبت وحدته أو على الأقل اتفاقه على برنامج واضح. إن التطورات الأخيرة واستمرار المواجهات وسقوط قتلى ومئات الجرحى، وسكب المزيد من الزيت على النار فتح الباب على مصراعيه لتدخل الجيش، وهذا يؤكد نظرية احتمال عودة العسكر إلى الحكم، وبالتالي قلب الموازين، التي كانت ستجعل من أي من الثورات الراهنة نموذجاً في العالم العربي.