تبدو مصر في أعين المراقبين الخارجيين وكأنها في طريقها للانزلاق نحو سلطوية جديدة، تحت حكم الإخوان المسلمين هذه المرة. يدور الصراع الحالي في مصر على الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد. وسواء كان هذا الاستفتاء مقدمة لاستحواذ سياسي مستقبلي للجماعات الإسلامية أم لا؛ فإن الحاصل هو أن وثيقة الدستور يجب أن تطرح للاستفتاء على مرحلتين، بدأت بالفعل يوم السبت 15 ديسمبر، والجولة الثانية يوم السبت الموافق 22 ديسمبر، من أجل تسريع عملية الانتقال نحو الديمقراطية. يعتقد خصوم مرسي أن مشروع الدستور يحتوي على ثغرات خطيرة، ويقولون إن الوسائل غير القانونية التي تم اتباعها في فرض التصويت على الدستور يثبت أن الهدف هو تعزيز السلطة التنفيذية في المقام الأول. ومحصلة ما يجري ستساعد في الإجابة على سؤال مهم: هل تستطيع الديمقراطية التعددية أن تزدهر في الدول العربية التي يوجد فيها جماعات إسلامية أكثر تنظيماً من الأحزاب العلمانية، أو الإسلامية المعتدلة... أم لا؟ وعلى الرغم من أن الصورة في مصر تبدو قاتمة، فإن المحصلة النهائية لما يجري لم تعد بعد أمراً مفروغاً منه، حيث سيعتمد الأمر في نهاية المطاف على ذكاء المعارضة، وعلى استخدام الغرب لنفوذه الاقتصادي. ولتقدير الاحتمالات، إليكم خمسة أشياء تحتاجون لمعرفتها حول ما يحدث في مصر، وكيف يمكن للولايات المتحدة أن تقدم يد المساعدة. الأول: هناك بعض الأنباء الطيبة، وهي أن مصر ليست إيران، كما أن تطورها السياسي لن ينتهي إلى شيء يشبه ما هو موجود في هذه الدولة. فتاريخ مصر وثقافتها السُنية، يختلفان اختلافاً بيناً عن إيران الشيعية حيث يلعب الملالي دوراً اجتماعياً أكبر. الثاني: هناك أيضاً بعض الأنباء السيئة، وهي أن الإخوان المسلمين يريدون أسلمة المجتمع والثقافة في مصر. فثمة اقتراح ظهر عام 2007 يدعو إلى ضرورة قيام هيئة من رجال الدين بمراجعة أي قوانين قبل إصدارها. والشيء الذي لا يقل أهمية عن ذلك، هو أن توجهات «الإخوان المسلمين» لا تميل إلى الديمقراطية، خصوصاً وأنهم قد أجبروا لفترات طويلة على العمل تحت الأرض، ومن وراء قضبان السجون، وهو ما يدفع "الإخوان" للعمل بكل ما في وسعهم من أجل تعزيز قبضتهم على السلطة بعد أن وصلوا إلى الحكم. الثالث: على الرغم من كل ما سبق، فأن كل شيء لم يُضع بعد: فالدستور ليس سيئاً على النحو الذي تم تصويره به. فهو لم يتضمن الكثير من مبادئ الشريعة وأحكامها، كما كان يطالب السلفيون، علاوة على أنه حافظ على الصياغة الملتبسة التي احتوى عليها دستور1971 والتي تقول إن أحكام القانون يجب ألا تتعارض مع مبادئ الشريعة. الخطر يكمن في الثغرات العديدة التي احتوى عليها الدستور، والتي ستسمح للبرلمان القادم بتعريف دور الدين في الدولة، ومقدار الصلاحيات الرئاسية. لذلك يمكن القول إن مستقبل مصر يعتمد على من يفوز في الانتخابات البرلمانية القادمة المقرر إجراؤها في فبراير المقبل. فلو حقق الإسلاميون فوزاً آخر في تلك الانتخابات، فإن هذا الفوز قد يعزز قوتهم، في حين أن فوز المعارضة يمكن أن يحول دون ذلك. الرابع: أن الكثير سوف يعتمد على قدرة المعارضة المصرية على توحيد صفوفها والعمل معاً. فعلى الرغم من براعتهم في تنظيم المعارضة، والدعوة إليها، فإن قادة أحزاب المعارضة انشغلوا بالعراك فيما بينهم بدلا من تكوين أحزاب أو حركات قوية، كما لم يؤسسوا منظمات خارج نطاق المدن الكبرى لديها القدرة على منافسة كوادر «الإخوان المسلمين»، والجماعات السلفية. الدستور قد يمرر( لأن الجمهور قد مل من الاضطرابات والفوضى). مع ذلك فإن مشاعر المصريين تجاه «الإخوان المسلمين» تسوء بشكل مستمر، خصوصاً وأنهم لم ينجزوا الوعود الاقتصادية، التي كانوا قد وعدوا بها، فضلا عن أنهم أزعجوا المصريين المعروفين بطبيعتهم المعتدلة غير المتشددة بمحاولاتهم لفرض القيود الإسلامية الثقافية، مثل إجبار المطاعم والحانات على إغلاق أبوابها قبل العاشرة مساء. وشعبية حزب «العدالة والتنمية»، تنحدر بالفعل في الوقت الراهن؛ خصوصاً بعد أن تصدت المعارضة لمقامرته الدستورية. وإذا ما أخذت المعارضة الأمر بمزيد من الجدية، وقامت بتنظيم صفوفها، فإنها تستطيع أن تبلي بلاءً حسناً في الانتخابات البرلمانية القادمة. الخامس: الأمر المتبقي هو ذلك المتعلق بدور الولايات المتحدة وحلفائها. لا شك أن شعور إدارة أوباما بالامتنان للدور الذي لعبه مرسي في تهدئة الأمور في غزة، والمحافظة على معاهدة السلام المصرية مع إسرائيل، قد جعلها تتحفظ في انتقادها للصراع الدستوري الذي يدور في مصر في الوقت الراهن. ولكن الأمر الذي لا شك فيه، مع ذلك، هو أن المسؤولين الأميركيين يوصلون بطرق غير علنية رسائل قوية للطرفين المتصارعين( الرئيس والمعارضة). فالرسالة التي يجب توجيها هي أن المساعدات والقروض والاستثمارات الأجنبية لن تأتي إلى مصر عما قريب، إذا ما ضيق النظام الحاكم الخناق على المعارضة، أو تدخل في مسألة تدريب وتمويل الأحزاب غير الإسلامية. أما الرسالة التي يجب توجيهها لأحزاب وجماعات المعارضة فهي: وحدوا عملكم وحددوا أهدافكم وسوف نقوم من جانبنا بمساعدة العملية السياسية الحرة المفتوحة. خلال الشهور القادمة سوف نعرف فيما إذا كانت هذه العملية ستنجح أم لا. ترودي روبين كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة « إم.سي.تي إنترناشيونال»