كثيراً ما نتجاهل البعد الثقافي في تكوين الشخصية العربية، فهذا البعد ضارب بجذوره في تشكيل السلوك الحياتي للإنسان، ولا يمكن إغفاله في فهمنا لطبيعة الصراع الذي يحدث في المنطقة العربية تحت شعار الديمقراطية. فعلي سبيل المثال نواجه أزمة كبيرة في مصر، فحكم «الإخوان» يواجه برفض من التنظيمات المدنية خوفاً من قيام الدولة الدينية أو التفرد بالسلطة والعودة مرة أخرى للحكم الشمولي. فهذا الخوف مبرر عندما نتعمق في فهمنا للبعد الثقافي في التكوين النفسي والاجتماعي للشخصية. والحركة السياسية أياً كانت، تكيف وضعها وفق الظروف المرحلية، فحركة «الإخوان» تشكلت في ظروف تاريخية، وهي نفس الحركة التي توسطت في فك التشابك الأخير بين «حماس» والدولة الإسرائيلية ، بمعنى أن طبيعة الواقع السياسي تختلف عن الأطروحات النظرية. فالصراع مع إسرائيل يجب أن يخضع للقانون والاتفاقيات، وأنه لا يمكن للحركة أن تتناول الصراع ضمن رؤيتها الدينية التقليدية، وهذا هو الفرق بين الطرح النظري لـ«الاخوان» والواقع السياسي الذي يفرض وجوده. الحركة الإسلامية التي تعتلي السلطة قد تغير من مواقفها، وربما تحاول إبعاد شبح الاستبداد والاستفراد بالحكم. فالموقف معادي لهذه الحركة الدينية نتيجة لتراكمات تاريخية. ولو افترضنا بوجود قوة سياسية مدنية حالياً في السلطة في مصر، سنجد أن «الإخوان» يحشدون كل ما لديهم لإفشال أي مشروع نحو إعادة بناء مصر. نحن أمام إشكالية تتجسد في تربية نفسية واجتماعية قائمة على الاستفراد، وأن فهم التعددية مازال غير فاعل ليس فقط ضمن الحركات الدينية، وإنما حتى بعض الحركات المدنية، فهي ثقافياً تحمل بعض قيم الاستفراد ولا تقبل بالتعايش مع الآخر. الوضع الانتقالي معقد جداً، ولا يمكن لحركة «الإخوان» أو غيرها من حسم الصراع الدائر في دول «الربيع العربي»، لكون فهمها للديمقراطية مازال يخضع للتشويش، وأنه لابد من حركة ثقافية كبيرة تنفض نظمنا التعليمية، وكل أدوات التربية الاجتماعية لإعادة تشكيل الشخصية العربية التي خضعت لعقود طويلة لمدارس الاستبداد والتفرد، وحاربت القدرات الإبداعية للإنسان العربي وجعلت منه أداة إخضاع لكل مشاريع الاستبداد المختلفة. فاليوم حتى الدول الديمقراطية تعيش حالة تراجع في مجال الحريات العامة، وأن مفهوم الديمقراطية يخضع لمناقشات واسعة بين كثير من المفكرين الذين يرون أن فهم الديمقراطية يتعرض لإعادة نظر. فالديمقراطية هي اختراق لكل مجالات الحياة، وليس فقط في جانبها السياسي، وهذا ما يجب فهمه في صراعنا الانتقالي، لكي نسهل عملية التحولات الكبيرة التي تمر بها بعض من البلاد العربية، خصوصاً أن ما حدث في بلاد «الربيع العربي»، هو تعبير عن سئم من الاستفراد والعجز البنيوي في الدولة، وليس فقط ضد النظام السياسي، وإنما يمتد إلى التكوينات الاجتماعية المختلفة مثل الأحزاب والنقابات، التي تشكلت ضمن رؤية ثقافية أحادية تعيق التطور والوصول إلى صيغة مشتركة. فالتحول عسير ومازال في مراحله الأولى، وما تطمئن له النفس بأن عودة الاستفراد مرة أخرى لن تتكرر، لكون الشعوب كسرت حاجز الخوف من السلطة.