يستغل البعض ما تمر به مصر من تغيرات وتقلبات سياسية حادة وانشغال النخبة السياسية والمثقفة بالمعارك السياسية وانشغال الشارع هذه الأيام بالاستفتاء والدستور والحريات، فيحاول أن يثير المشكلات ويصفي حسابات قديمة وجديدة خارجية مع الإمارات، في محاولة تبدو أنها فاشلة منذ البداية. فاتهام الإمارات بأنها تتدخل في شؤون مصر تبدو محاولة يائسة من البعض للحصول على مكاسب سياسية أو غيرها. فعلاقة الإمارات بمصر استراتيجية لا يغيرها من يحكمها والمحاولات المستمرة للإيحاء بأن الإمارات لديها دور مباشر أو غير مباشر على الساحة المصرية لا يبدو منطقياً. فالإمارات أكدت أكثر من مرة أنها تحترم الشعب المصري وإرادته، وتدرك أن لا أحد يعرف مصلحة مصر أكثر من المصريين. فمن يحب مصر أكثر من أبنائها؟ ومن يخاف على مصر أكثر ممن شرب من نيلها؟ ومن يعرف كل ذلك يعرف أنه يجب أن يكون مع مصر لا أن يتدخل في شؤونها... أما دور العرب فيكون مساندة مصر عندما تحتاج إليها. بشكل عام الوضع في مصر مثير للاهتمام والمتابعة لأي مهتم بالشأن السياسي وبقضايا المنطقة ومراقب للوضع الداخلي في مصر، فقوى وأمواج سياسية تتصارع بشكل متصاعد وكل فريق يرى أن طريقته هي الصحيحة في بناء دولة المستقبل، بل هي الأصح. فالمشهد ينحصر بين شد وجذب، أخذ ورد وقلق وترقب، فلمن تكون الغلبة في النهاية؟ قد لا يكون مهماً من ينتصر، لكن المهم أن تكون مصر بخير! في مصر، كما أن الكل يخرج إلى الميدان، أصبح الميدان في كل أسبوع ينتظر المصريين بل في كل يوم، حيث الآراء تقال بصوت عال وبصوت منخفض، والكلمات تتردد والشعارات تبتكر والكل يبحث عن مستقبل أفضل. لا شك أن هناك جاذبية للحركات الجماهيرية، ولا شك أن العمل من أجل التغيير يجذب الكثيرين وخصوصاً الشباب الذين يحلمون بغد مليء بالعمل والنجاح. والحقيقة التي لا يختلف عليها أحد أن جميع أولئك يبحثون عن مصر جديدة عن مستقبل أفضل عن طموحات تجد أرضاً لها وعن أحلام تتحقق، لذا فإن ميدان التحرير، أصبح المكان الذي يمكن من خلاله أن تتحقق أحلام الجميع، فبالتالي تتجمع فيه الجماهير. في هذه التغييرات الجذرية في المجتمعات، تنقلب الدول رأساً على عقب، فيصبح الحاكم مستبعداً ويصبح المستبعد حاكماً وينتقل من كان في مركز صنع القرار، ومن كان في قلب الحدث إلى الهامش، بل ويحاسب على ما كان فيه من قبل... ويصبح من كان مع الجمهور مكتفياً بالتفرج والتصفيق والغضب والشتم أحياناً إلى صانع للقرار وفي قلب الحدث. كل ذلك يعني أن التغيير الحقيقي يخلق فرصاً جديدة لأشخاص جدد ويغير دم الدولة. وبالتالي تكون آمال المحرومين في التغيير أكبر فتنتعش آمالهم وأحلامهم ويستمرون بطلب التغيير، فقد يتغير حالهم إلى حال أفضل. وما يؤكد هذا الإصرار الصورة التي تتجلى بوضوح في هذه الثورات والاستعداد للتضحية بكل شيء حتى بالنفس، وقد رأينا في هذه الدول شباباً فقدوا أرواحهم. ورغم ذلك، فإن نبرة التفاؤل التي يتكلمون بها عالية، واستعدادهم للاستمرار فيما بدأوه. فمن أين يأتون بكل هذه الطاقة والدافع؟ لا شك أنه من الأمل في الغد، الذي يرونه مشرقاً وينتظرونه كيوم لم يرونه من قبل. ويأتي هذا الإصرار كذلك من رفضهم للحاضر بما فيه من تهميش لهم وتسفيه لأحلامهم، فينبذون ساعاته وأيامه ويحاولون باعتصاماتهم، أن يضيئوا لياليه الباردة القاتمة التي لا يريدونها أن تعود، وأنهم يعيشون في خيال جميل ويحلمون بمستقبل رائع، ويحق لهم أن يحلموا، ومن حقهم أن يدافعوا عن حلمهم، ومن حقهم أن يقفوا في وجه من يريد أن يخطف حلمهم الكبير. وهناك من يريد أن يشوش عليهم عملهم، فللمتطرفين مكان في هذه المساحات الشاسعة من التغيير، والأحلام الكبيرة، ولهم أجنداتهم وكذلك يحاولون أن يكون لهم نصيب من المستقبل، وفي سبيل ذلك يستخدمون كل الطرق، وما حدث في بلاد الثورات العربية يكشف أن أحداً، لا يستثني نفسه من الاستفادة من الوضع القائم وفي وقت توزيع «الغنائم» يكون الجميع حاضراً. فمشكلة المتطرفين الحقيقية هي محاولة استئثار هذه الفئة بالقرار ومحاولتها فرض رأيها، ووضع المجتمع أمام الأمر الواقع في إقرار ما تراه هي صحيحاً دون الالتفاف إلى احتياجات المجتمع وتباين متطلباته. الشعب في مثل هذه الحالة التي يمر بها وتقلبات التغيير التي يعيشها لا ينتظر صراعات أو تصفيات حسابات داخلية أو معارك خارجية مصطنعة. ببساطة هو يريد أن يحقق أحلامه، يريد من يلامس تطلعاته يريد من يخرجه من ضيق الإحباط إلى فسحة الأمل... أما ما فعلته الحكومة الحالية، فهو أنها لم تستطع ملامسة أي من ذلك، بل كانت بعيدة عن الشارع فخرج الشارع ضدها كما خرج ضد من كان قبلها. والطبقة السياسية عليها أن تنتبه لخطابها مع الداخل، وألا تكتفي باستغلال أحلامه وتطلعاته، وإنما تحاول تحقيقها، فكل من يخرج يريد مستقبلا أفضل لنفسه ولوطنه وأبنائه. وتبدو المشكلة الحقيقية في مصر اليوم هي أن يعرف القادة السياسيون والزعماء الحزبيون ما يريده الشعب.