منذ بداية شهر ديسمبر، احتل غاز السارين مكاناً مهماً في النقاش حول الحرب الأهلية في سوريا. فقد اعترفت الحكومة السورية بامتلاك مخازين مهمة من هذا الغاز في مناطق القتال أو حولها. وحسب «نتالي نوجايريد» من صحيفة «لوموند» الفرنسية الرصينة، فقد جمعت مأدبة عشاء الأسبوع الماضي في بروكسل ممثلي القوى الكبرى في حلف «الناتو» من أجل مناقشة الوضع السوري ومعالجة مسألة تدخل «الناتو» من أجل التعاطي مع التهديد المتمثل في إمكانية استعمال الغاز من قبل الحكومة، أو إمكانية سقوطه بطريقة أو بأخرى في أيدي مجموعات إرهابية أو متشددين أو بلدان أخرى. فهل ينوي «الناتو» التدخل؟ في الماضي، شكلت تهمة امتلاك أسلحة الدمار الشامل العبارة المعتادة عند التهديد بتدخل أو هجوم خارجي. فقد سمعنا الشيء نفسه بعد الحادي عشر من سبتمبر بخصوص غزو أميركي للعراق، في الأمم المتحدة نفسها، من وزير الخارجية الأميركي حينها كولن باول، الذي اعترف لاحقاً بمصدر الغار المستمر هذا بعد أن تبين أنه لم تكن ثمة أي أسلحة نووية في العراق. فهل هذه القصة السورية خدعة أخرى؟ في حالة العراق، من المعروف أن مجموعة مهمة داخل إدارة بوش الابن كانت تريد غزو العراق حيث كان بعضهم يرغب في إرضاء إسرائيل، التي كانت تريد رؤية العراق يدمَّر كلاعب عسكري عربي كبير، والذين نجحت عملية البروباجندا الرهيبة التي أطلقوها في الولايات المتحدة في الترويج للغزو. كما كانت ثمة أيضاً دوافع وطنية تتعلق بالرغبة في السيطرة على الموارد: السعي إلى السيطرة على موارد العراق النفطية وعلى بغداد كقاعدة عسكرية استراتيجية أميركية. الموقف الأميركي من التمرد السوري، الذي يُسمع عادة، هو أن أوباما لا يرغب في تدخل عسكري آخر في منطقة الشرق الأوسط، حتى وإن كان الدور الأميركي عبارة عن «قيادة من الخلف»، مع خطر محدود بالنسبة للجنود الأميركيين. لكن من غير الواضح في ذهني كيف يمكن للمرء توقع خطر محدود لأي شخص يتعاطى مع غاز السارين ويسعى إلى حجز الذخيرة وإخلائها. ويعد غاز السارين مادة كيماوية تهاجم النظام العصبي وتشل عضلات القلب، وتتسبب بالتالي في قتل المرء اختناقاً. وقد استعملت في الحرب الإيرانية- العراقية 1980-1988، وفي 1988 من قبل العراق ضد مدينته الكردية حلبجة، وفي هجوم إرهابي عام 1995 في مترو طوكيو. وتؤكد مصادر عسكرية واستخباراتية مختلفة أن سوريا تملك هذا السلاح اليوم، لكن ليس ثمة على ما يبدو دليل دامغ على ذلك، كما أنه ليس ثمة حجة عسكرية مقنعة لاستعماله، علماً بأن القيام بذلك من شأنه أن يؤدي إلى رد انتقامي كبير من الدول الكبرى، التي ستتحرك بدعم من الأمم المتحدة في تلك الحالة. لقد كانت ثمة بعض التقارير على الإنترنت التي تتهم الولايات المتحدة وإسرائيل، إلى جانب «الناتو» ومؤامرة سُنية مفترضة، بالتحريض على هذه الانتفاضة. ولكن لماذا؟ فسوريا ليست بلداً غنياً بالموارد. ثم إنها تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل منذ حرب عام 1967، وتدخلاتها الكبيرة في لبنان توقفت منذ بعض الوقت. كما أنها لا تتدخل في أماكن أخرى من المنطقة، والتوترات الطائفية في البلاد كانت تبدو هادئة قبل الانتفاضة. وعلاوة على ذلك، فإن سوريا لا مصلحة لها في إقحام نفسها في شجارات إيران مع الولايات المتحدة وإسرائيل. كما أن مستوى المعيشة والتعليم والصحة يعتبر مرتفعاً نسبياً مقارنة مع بلدان المنطقة حيث تملك طبقة وسطى ومهنية متطورة. إن أكثر سبب إقناعاً يمكنني أن أراه بالنسبة للانتفاضة هو العدوى الشعبية من «الربيع العربي»: عدم التسامح مع الفساد وعداء متزايد مع الديكتاتورية المفروضة من قبل الأجهزة الأمنية. فلماذا إذن يخطط «الناتو» للتدخل من أجل تأمين غاز السارين، مدعوماً على ما يفترض من قبل وزيرة الخارجية الأميركية ووزير الخارجية البريطاني (الذي قال على ما يفترض: «لما لا؟» عندما طُرح المخطط للنقاش). حسناً، لما لا؟ ولكن عليك في هذه الحالة أن تشرح لنا لماذا؟ اعطينا تفاصيل التهديد. واعطينا سيناريو مثل هذه العملية. واعطينا تفاصيل ما سيحدث في المرحلة التالية؟ فنحن جميعاً نرغب في معرفة أكثر مما عرفناه حول العراق في 2003. وحسب «لوموند»، فإن وزيري الخارجية الألماني والهولندي، كانا «غاضبين» وبدا أنهما يعتقدان أن أمين عام «الناتو» وآخرين يحاولون فرض شيء ما عليهما، هذا في حين بدا أن الأتراك يؤيدون الفكرة، ولكن وزير الخارجية الفرنسي كان متشككاً، وإن كانت فرنسا قد حذرت في سبتمبر من أن الاستعمال السوري للأسلحة الكيماوية سينتج «رداً كبيراً وسريعاً». كما سأل الفرنسيون أيضاً بشأن أي تعاون كان لـ«الناتو» بخصوص هذه المعلومة الاستخباراتية حول غاز السارين، التي بدا أنها تأتي من الولايات المتحدة فقط. ثم أي تفويض سيحصل عليه «الناتو» من أجل مثل هذا التدخل؟ وما الذي سيؤدي إلى تحرك «الناتو»: «عسكرة» الأسلحة، بمعنى تسليحها بالغاز أو استعمالها الفعلي؟ الواقع أنه يبدو أنه ليس ثمة جواب. أمين عام «الناتو» اختتم مأدبة العشاء بقول شيء مؤداه: «لقد استمعتُ إلى ما قلتموه جميعاً، ولكن لا تتفاجأوا إذا وجدتم أن المخططات بصدد الإعداد». ويذكر هنا أن وزيرة الخارجية الأميركية لم تقم بأي تعليق. ولكن صمت كلينتون مثير للاهتمام. والملفت أن أوباما وإدراته كانا أيضاً صامتين جداً حول كل هذا. فهل يتم التحضير لهدية أعياد الميلاد من أجلنا؟ ألم تتعب الولايات المتحدة من الحروب الرئاسية؟ يبدو أن ذلك أضحى الأسلوب الأميركي الجديد، وأنا على يقين أن لا الكونجرس ولا المحكمة العليا سيطرحان أي اعتراض جدي. ----------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون ميديا سيرفس»