كثيراً ما نطلق أوصافاً أو أحكاماً سلبية على الجيل الذي يصغرنا عندما نراه يتفاعل مع الحياة وفق معطياتها التي نشأ عليها وأبصر بها العالم، بينما قد نراها نحن من منظور سلبي، كوننا لم نتعود عليها. فمثلًا قد تطلق على الجيل الناشئ أوصاف من قبيل «جيل ماكدونالدز» عندما لا يعجبنا سلوكهم الغذائي، أو نقول عنهم «جيل البلاي ستيشن» إذا أردنا أن نصف انعزاليتهم وضعف تواصلهم الاجتماعي مع الآخرين، أو أنهم «جيل متمرد» لأننا نضجر من استقلاليتهم وعدم انقيادهم بسهولة للأوامر والتوجيهات. وفي المقابل فإن بعض جيل الآباء الحاليين الذين تتراوح أعمارهم بين الثلاثينيات ونشأوا في الفترة التي ازدهرت فيها الحياة المدنية ووسائل الراحة والرفاهية يصفهم الجيل الذي سبقهم بأوصاف من قبيل «جيل المكيفات» أو جيل تربية الخدم، وغيرها من تلك الأوصاف. والشائع أن كل جيل قد يطلق أوصافاً غير إيجابية عن الجيل الذي يصغره، وقد يكون هذا الوصف صحيحاً إلى حدما، ولكن يجب ألا يتحول إلى قاعدة تبنى عليها الأحكام على جيل برمته، مع إغفال الجوانب الإيجابية العديدة التي قد يتمتع بها كل جيل. ويُعرَّف الجيل عادة بأنه مرحلة التعاقب الطبيعية من أب إلى ابن، ويعرّف تقليدياً على أنه «متوسط الفترة الزمنية بين ولادة الآباء وولادة أبنائهم». ونظراً لطبيعة المجتمع الإماراتي الذي لا يزال نظام الأسرة الممتدة قائماً فيه فإنه يتركز على ثلاثة أجيال هم الأجداد والآباء والأبناء، فما هو وصف كل جيل؟ الجيل الأول هم جيل الأجداد من مواليد ما قبل الستينيات الذين عاصروا الفترة التي سبقت ظهور النفط وقيام الاتحاد، ومن ثم شهدوا مراحل التطور وساهموا في بناء الوطن. وعلى رغم أن العديد من أفراد هذا الجيل لم يحصلوا على التعليم المتقدم إلا أنهم اندمجوا في الحداثة وانخرطوا بإخلاص في مسيرة التنمية والعمل في الوظائف التي أتيحت لهم مع نشأة الدولة ومؤسساتها. إن أفراد هذا الجيل أصبحوا أجداداً تشع في وجوههم البركة وتفيض من أحاديثهم الحكمة التي صقلتها تجارب الحياة، ويغرسون في أبنائهم وأحفادهم حب الوطن، ويستلهمون من تجارب الحياة العبر والمواعظ. هذا الجيل شديد. الجيل الثاني، جيل فترة السبعينيات والثمانينيات وهم أبناء الماضي وآباء اليوم. نشأ هذا الجيل مع بداية الرخاء والازدهار ويتميز بأنه جيل متعلم ومتحضر. وفرت له الدولة التعليم المجاني والخدمات الصحية وقروض الزواج. وكثير منهم يمكنه التحدث بأكثر من لغة بفضل التعليم الجامعي ودخوله في سوق العمل الحكومي والخاص. وهذا الجيل مرتبط بالماضي والتراث كونه قريباً منه وتعرض لعَبَقِه وعايش بعض تفاصيله وتعرف عليه عن قرب. هذا الجيل على رغم أنه يعيش العصر والحداثة بكافة تفاصيلها وتجذبه قيم الفردية والتحرر، إلا أنه يلتزم إلى حد بعيد بالأعراف الاجتماعية ويتمسك بهويته ويفخر بدينه وثقافته. أما الجيل الجديد أبناء التسعينيات والألفية فهو جيل نشأ على وقع الحياة السريعة بسبب التطور التقني وانتشار وسائل الاتصال الحديثة. ويعشق هذا الجيل التغيير ويقدس قيم الذاتية والحرية ويعتبرهما جزءاً من كينونته ولا يرضى المساس بهما، ولذلك له قابلية التأثر بالأفكار والصرْعات الغريبة. كما أن اتصال هذا الجيل بالتراث وبقيم الماضي أقل وقد لا يجد فيهما متعة أو أهمية مقابل الطوفان المعلوماتي والمعرفي الذي ينهمر عليه. وتدل المؤشرات على أن قيم العولمة ستهيمن على أفراد هذا الجيل أو الذي سيليه، إلا أنه جيلٌ له القدرة على الإبداع والابتكار والتطوير، ويحب الإنجاز ويعشق التميز، ويساهم كسابقيه في بناء الوطن. الكثير يتخوف مما سيكون عليه حال هذا الجيل المُعَوْلم وانصرافه عن قيم الدين والهوية والثقافة... إنه تخوف مبرر، ولكنه لا يعفي المجتمع بأفراده ومؤسساته من مسؤولية توفير ما يربط هذا الجيل بالقيم التي نشأ عليها السابقون.