المغرب يحظى بموقع جغرافي استراتيجي متميز، يقع في الشمال الغربي من القارة الأفريقية، يحده من الغرب المحيط الأطلسي ومن الشمال البحر الأبيض المتوسط. ويقتسم المغرب حدوداً برية مع الجزائر من الجهة الشرقية وموريتانيا من الجنوب بينما تفصله عن إسبانيا 14 كلم مروراً بمضيق جبل طارق. وبإمعان النظر في ما حفلت به العشرية الماضية بالمغرب، تبرز للملاحظ أن هناك سياسة بعيدة النظر تهدف إلى توطيد موقع المغرب الاستراتيجي في محيطه العربي والأفريقي والمتوسطي، وهنا نفهم جلياً مغزى إنشاء جامعة أورو-متوسطية بمدينة فاس تكون حلقة وصل بين ضفتي المتوسط وأفريقيا والعالم العربي... ولكن عندما نتحدث عن الواجهة المتوسطية للمغرب، كما ذكر بذلك الوزير والمفكر المغربي العربي المساري في منتدى فاس الأخير، ينبغي التذكير بالفضاء الذي نتحدث عنه. ويجب القول إن الأمر يتعلق بـ12 عمالة وإقليماً، تطل على 500 كلم من المتوسط (بالضبط 294 كم في جهة طنجة- تطوان، و200 كم في الجهة الشرقية). ومن حيث السكان، تضم هذه الواجهة المتوسطية حوالي 6,3 مليون نسمة، ينتشرون على 117,570 كيلومتراً مربعاً. وتحد هذا الشريط المتوسطي شرقاً الجزائر على مدى 550 كلم، وغرباً ساحل أطلسي يمتد على 100 كلم. تتألف الواجهة المتوسطية من جهتين. أولًا: جهة طنجة- تطوان: وهي تنتشر على مساحة قدرها 34,750 كيلومتراً مربعاً وهو ما يعادل 5 في المئة من التراب الوطني. وتضم الجهة: 4,416 مليون نسمة. وهم يمثلون 14,3 في المئة من سكان المملكة. وتبلغ الكثافة السكانية 125,7 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد، بينما تبلغ نسبة الكثافة على الصعيد الوطني 42 شخصاً في الكيلومتر المربع الواحد. ثانياً: جهة المغرب الشرقي وهي تحتل 200 كلم. وهي تنتشر على مساحة قدرها 82,820 كيلومتراً مربعاً وهو ما يعادل 11,6 في المئة من التراب الوطني. ويبلغ عدد السكان: 1,918 مليون نسمة. وهم يمثلون 6,4 في المئة من سكان المملكة. وتحتضن الجهتان ما يقدر بنحو 6,354 مليون نسمة أي أكثر بقليل من خمس سكان البلاد. وإذا كانت وكالة إنعاش الأقاليم الشمالية قد أنشئت في يونيو عام 1996 فإن جارتها وكالة الأقاليم الشرقية قد رأت النور في عام 2006. وبالذات على إثر الخطاب الملكي في وجدة بتاريخ 18 مارس عام 2003 وقد جاء مكملًا لخطاب العرش عام 2002 الذي أعلن فيه أن الجهوية ستعرف طريقها إلى التطبيق عبر الأقاليم الصحراوية في الجنوب وفي الأقاليم الشمالية أيضاً، وفي سياق اكتمال الخطة الاستراتيجية الهادفة إلى تنمية الواجهة المتوسطية. وهو ما عبرت عنه الوثائق التي تمخض عنها المجلس الإداري لوكالة إنعاش الأقاليم الشمالية في عام 2003. ومن خلال ذلك اتضح التوجه التنموي وتسارع إيقاع ورش التنمية. وغني عن البيان أن التحرك الرئيسي في هذا الإطار تمحور حول الورشة العملاقة التي مثلها ميناء طنجة المتوسطي. وكانت البداية بتحديد موقع هذا الميناء الذي أصبح يتوسط بوغاز جبل طارق، حيث تقرر أن تكون المنشأة على بعد 35 كلم شرقي طنجة و 18 كلم غربي سبتة. وبموازاة ذلك تم الاتجاه إلى مشروع كبير آخر هو الطريق الشاطئية من تطوان إلى السعيدية. وهو مشروع بلغت تكلفته 3,515 مليار درهم مغربي أنفقت في إنشاء 550 كلم من الطرق، أضيف إليه شطر تطوان الفنيدق الذي بلغت تكلفته 600 مليون درهم مغربي. وإذا كان اكتمال هذا الجزء قد غير معالم المنطقة التي أقيم فيها، فإن ما أصبح ماثلًا للعيان ينبئ بما ستكون عليه المناطق التي تخترقها الطريق الشاطئية الممتدة عبر سلسلة جبال الريف غربيها وشرقيها. وقد جاء هذا المجهود ليعزز موقع المناطق التي يخترقها الطريق المتوسطي لأنه شريان حيوي للتجارة بين أفريقيا وأوروبا. وقبل ذلك فإن ذلك الإنجاز سيغير حياة ما لا يقل عن ثلاثة ملايين نسمة يسكنون في مناطق قروية كانت لمدة لا تقل عن مائتي سنة، في حكم المعزولة. وتقع في هذه المنطقة سبعة موانئ، وعدة مواقع صيد بحري، وعشرات المواقع السياحية. ولم يعد المركب المينائي «الناظور» غرب المتوسط مجرد حلم بل إن إنجازه قد تحرك على الأرض، ليخلق واقعاً جديداً. ويندرج المركب المينائي والصناعي والطاقي والتجاري في إطار توطيد العلاقات المتوسطية وخاصة مع الجارة المباشرة وهي إسبانيا، بفضل خلق ديناميكية جديدة، ويغير طبيعة العلاقات الاقتصادية بين المغرب وإسبانيا، باب أوروبا الذي ستنشأ معه لأول مرة علاقات تعاون متكافئة. ومن الآن يمكن الحديث كما يكتب خبير الشؤون الإسبانية العربي المساري عن دخول مناطق شاسعة من المغرب المتوسطي في «عهد جديد» وهذا وصف لا مبالغة فيه، يسجله أبناؤنا المغاربة في المهجر (وعددهم ثلاثة ملايين) الذين أصبحوا يلاقون، منذ أن يغادروا جمرك باب سبتة، مناطق أصبحت مزروعة بلمسات هنا وهناك تنبئ عن مغرب الغد الذي أصبح يتراءى للعين. بل إن هناك من كتب أن ميناء طنجة المتوسط سيكون في عام 2014 واحداً من أكبر عشرة موانئ في العالم. وقد بدأت تسري فيه حركة تنبئ بما سيكون عليه الحال في منشأة ستكون كما كانت سبتة في عهدها المغربي حتى العهد المريني ميناء كبيراً في المتوسط وحاضرة ثقافية راقية. للمغرب ضمير متوسطي متجذر ولكن هذا لا يعني أن البعد المتوسطي يجب أن يبرز ليلغي البعد العربي أو الأطلسي، أو البعد الصحراوي من دور المغرب في محيطه. بل إن المغرب لا يكون في وضعه الطبيعي إلا وقد استوى في رباعيته المجالية، العالم العربي والمتوسطي والأطلسي والأفريقي.