«الطيبون» صفة أطلقها أبطال وسائل «بلاك بيري» على جيل السبعينيات ومن قبلهم الجيل الذي استمتع بـ«الفريج» والجري واللهو في أروقته الجيل الذي ضحك كثيراً من مسلسلات كوميدية راقية، وعاصر تحول الدولة إلى طفرة وانتعاش اقتصادي. «الطيبون» هم من استمتع بالبرد ومطر الشتاء الغزير ومن نسج حكايات أم الدويس وأصحابها الجن الغامضين، ومن عاش العصر الذهبي للصداقات البريئة والجيرة الجميلة، والأغاني العذبة الوطنية. هم الذين عايشوا بساطة التوقعات والمسميات المضحكة، ومن صدق بأن القيم هي نبراس الحياة، وهم من قرأ لنجيب محفوظ، وقرأ أشعار أبي القاسم الشابي واستمتع بمغامرات نخنخ. وهم من أحب زايد الذي كان رمزاً للعروبة. «الطيبون» جيل ترعرع في ظل الاتحاد، ودرس في مدارسة المجانية، وتلقى العلاج في عيادته المجانية، ورأى كيف تقدم له بلاده كل شيء، وتذلل له كل الصعاب، ليكبر ويتعلم ويسهم في بناء الوطن. كان الوطن جميلاً زاهياً حالماً، وكان الغرباء قلة، ويكاد يكونون أصحاباً وجيراناً ورفقة رائعة. كانت الحميمية دافئة بين الناس، وكان الطموح ينافس السماء في علوها وكان جيل الطيبين أكثر من عاش تلك الحياه المفاجئة التي باغتت براءته وتعرف على التلفزيون والهاتف والإلكترونيات البسيطة آنذاك. إن هؤلاء الطيبين... لم يفقدوا كما هو الجيل اليوم الجيرة، ولم يفقدوا الصدق في العلاقات، ولم يحذرهم أهلهم من الغرباء، ولم تكن الجريمة عنفها كما هي اليوم. ولم يكن الناس غرباء لكثرة الغرباء بينهم، ولم يخيفهم ضياع هويتهم، ولم يضيعوا طريق المسجد في فروضه الخمسة سيراً على الأقدام. لم يكتسح حياتهم الترف والعوز العاطفي لوجود والديهم معهم. لم يفقدوا أجواء الأسرة الممتدة وتواصل الأقارب عبر الحدود، ولم يعانوا من دروس خصوصية أو رسوم مدارس عالية، أو استلاب تكنولوجي قض مضجع براءتهم واختطف طفولتهم قبل الأوان. ولم يعرفوا العند الردىء، والألفاظ البذيئة، التي تداولها برامج تلفزيونية غير مفيدة، ولم يعرفوا كيف يمكن أن يكون الغناء إسفافاً والفن سقوطاً والمواهب محصورة في أصوات تخلو من الموهبة. كم كانوا محظوظين هؤلاء «الطيبين» الذين يتندر البعض اليوم على ما كانوا يشاهدون ويسمعون ويفعلون، والحقيقة أنهم كانوا كذلك وخذلتهم دنياهم عندما لم تستمر كما كانوا يأملون. ولم تأت سفنهم حسب ماتشتهي رياحهم... فسكن الحنين جوارحهم حتى ولو ضحكوا اليوم على تجاوزات صغيرة كانوا يرتكبونها آنذاك. الطيب عليه اليوم أن يعيش مع كل ما يشوب الواقع، ويظل يحاول رتق التصدعات وإنقاذ الممكن... وإبقاء الطيبين على أحلامهم الغضة، التي كانت ذات يوم سبباً في بناء جميل اسمه الوطن.