إذا ما أحصينا عدد الوفيات الناتجة عن حوادث الطرق بدءاً من تاريخ وقوع أول حادث وفاة عام 1896 وحتى الآن، فسنجد أن عدد قتلى حوادث الطرق يزيد عن خمسين مليوناً، هذا بالإضافة إلى مئات الملايين من الإصابات والإعاقات الشديدة. وهو ما يعني أن عدد قتلى حوادث الطرق منذ اختراع السيارات، يزيد عن ضحايا الحربين العالميتين الأولى والثانية معاً. وإذا ما كانت تلك الحروب قد وضعت أوزارها، إلا أن حوادث الطرق لا زالت تحصد المزيد من الأرواح، دون أن تبدو لها نهاية في الأفق القريب. وتعتبر حوادث الطرق وما ينتج عنها من إصابات ووفيات من أهم قضايا الصحة العامة التي تواجه جميع النظم الصحية في العالم دون استثناء، الغنية منها والفقيرة، والصناعية أو النامية على حد سواء، فعاماً بعد عام، تحصد حوادث الطرق أرواح أكثر من 1,3 مليون شخص، أو ما يعادل 2,2 في المئة من مجمل الوفيات السنوية بين أفراد الجنس البشري، هذا بالإضافة إلى تسببها في إصابة وإعاقة خمسين مليوناً آخرين. ومن بين جميع الفئات العمرية في المجتمع، تتحمل فئة المراهقين الثمن الأكبر، حيث تشكل حوادث الطرق أحد أهم الأسباب خلف الوفيات بين أفراد الفئة العمرية الواقعة بين العاشرة أو نهاية مرحلة الطفولة، وبين العشرين أو بدايات مرحلة الشباب. وتبلغ فداحة الثمن الإنساني لحوادث الطرق على هذه الفئة العمرية درجة أنها أصبحت تحتل رأس قائمة أسباب الوفيات بين أفرادها، حيث يلقى 260 ألفاً حتفهم سنوياً بسبب حوادث الطرق، ويتعرض عشرة ملايين آخرون للإصابات والإعاقات. وتمشياً مع المنطق الطبي المعمول به في جميع القضايا الصحية، والناص على أن «درهم وقاية خير من قنطار العلاج»، يُبذل حالياً المزيد من الجهود ويخصص المزيد من المصادر، بهدف فهم أسباب وقوع حوادث الطرق، وكيفية الوقاية منها، بالترافق مع الجهود والمصادر التي تبذل لبناء وتجهيز مراكز الحوادث والإصابات الخطيرة في المستشفيات بالمعدات والأجهزة والكفاءات الطبية والجراحية. ويمكن تلخيص أسباب حوادث المرور في ثلاثة أسباب رئيسية؛ أولاً: العامل البشري، ثانياً: تصميم الطرق وحالتها، ثالثاً: تصميم السيارات وصيانتها. والسبب الأول أو العامل البشري، ينقسم إلى قسمين رئيسيين؛ هما: السرعة الزائدة، وسلوك السائق مثل الرعونة، أو عدم الانتباه بسبب استخدام الهاتف مثلا، أو الإعاقة الذهنية والحركية نتيجة شرب الكحوليات، أو قلة النوم، أو كبر السن، وغيرها من الأسباب. وتتضح مثلا أهمية السرعة الزائدة كسبب رئيسي خلف حوادث الطرق، من خلال تأكيد وجزم هيئة الطرق والمرور في ولاية «نيوساوث ويلز» الأسترالية بأنها السبب خلف 40 في المئة من الوفيات نتيجة حوادث الطرق. وإن كان يجب عند الحديث عن السرعة الزائدة أن نأخذ هنا في الاعتبار أنها «مقياس نسبي» يتأثر بحالة الطرق، والظروف الجوية، وربما حتى الوقت من اليوم، وتوفر الإضاءة الصناعية من عدمها. والمقصود بذلك، أنه في الوقت الذي قد تكون فيه سرعة 120 كيلومتراً في الساعة مناسبة لطريق ما، قد تكون سرعة 40 كيلومتراً في الساعة سرعة زائدة على طريق آخر. وحتى إذا ما كانت السرعة القانونية القصوى على طريق ما هي 80 كيلومتراً في الساعة مثلا، تصبح هذه السرعة سرعة زائدة في حالة سقوط الثلوج، أو المطر الغزير، أو الضباب الكثيف. وهو ما ينطبق أيضاً على الوقت من اليوم، حيث تنخفض حدة ومجال الرؤية البشرية بوجه عام أثناء الليل، وبشكل واضح ومؤثر إذا ما كان الطريق يفتقد لأعمدة الإنارة. وتلخص الإدارة الاتحادية للطرق السريعة (Federal Highway Administration) التابعة لدائرة النقل بالولايات المتحدة نتائج الدراسات والأبحاث التي أجريت على العلاقة بين السرعة الزائدة وبين حوادث الطرق في النقاط التالية: 1- تظهر الأدلة أن خطر التعرض لحادث يزداد في حالة القيادة بسرعة أعلى من السرعة المتوسطة للطريق، وأيضاً في حالة القيادة بسرعة أقل من السرعة المتوسطة. والمقصود هنا بالسرعة المتوسطة هو متوسط سرعات جميع السيارات على طريق في مكان ما وخلال الوقت نفسه من اليوم. 2- يزداد خطر التعرض للإصابة الشديدة بشكل مطرد في حالة القيادة بسرعة أعلى من السرعة المتوسطة. 3- تتوقف حدة الإصابة أو احتمالات الوفاة على سرعة السيارة أثناء الاصطدام. 4- لا توجد دلائل كافية على أن خفض الحد الأقصى للسرعات على الطرق، يؤدي إلى خفض عام في متوسط السرعات على مجمل شبكة الطرق. 5 - أكثر الحوادث التي تقع بسبب السرعة الزائدة، هي نتيجة أن السرعة كانت زائدة بشكل نسبي، نظراً لحالة الطريق أو الظروف الجوية حينها. وهذه النقطة الأخيرة، أكدتها إحصائيات حوادث الطرق في بريطانيا، التي أظهرت أنه في الوقت الذي يتسبب فيه تخطي السرعة القانونية في 14 في المئة من جميع وفيات حوادث الطرق، نجد أن السرعة الزائدة غير المناسبة للظروف والأحوال كانت مسؤولة عن 18 في المئة من جميع وفيات حوادث الطرق. وتظهر هذه الأرقام والإحصائيات بشكل جلي، بأن وفاة 1,3 مليون شخص بسبب حوادث الطرق، هي كارثة إنسانية سنوية، حالية ومستقبلية، وأن السرعة الزائدة لكونها سبباً رئيسياً خلف هذه الحوادث، تعتبر قضية صحة عامة بجميع المقاييس.