لم يفق المراقبون من صدمة ما يُسمى منظمة «الكرامة»، السويسرية المقر، في دعمها معارضين خليجيين، أحدهما موقوف في سجون الإمارات لجرائم ترتبط بالإخلال بالأمن، ومس سيادة الدولة، وتشكيل تنظيم سري يتبع تنظيم «الإخوان» الإرهابي، إضافة لشروعه مع زملائه الآخرين الموقوفين معه، في إنشاء جناح عسكري لقلب نظام الحكم الإماراتي بالقوة، حتى وجدوا أنفسهم أمام صدمة أكبر من ذات الجهة التي أعلنت أنها اعتمدت على عبارة «ربما» في استنادها على ترشيح هذه الشخصية، وترديد شائعات التعذيب في سجون الإمارات، فقد أدلى مديرها القانوني رشيد مسلي بتصريحات قال فيها إن المنظمة استقت معلوماتها حول تعرض أحد الموقوفين للتعذيب من محامٍ إماراتي اتصل بها، وأبلغها بأنه شاهد آثاراً «ربما» تدل على تعرض موقوف للتعذيب أثناء التحقيق، وهذه الإفادة ظلت في إطار الادعاءات، حتى اتصلت المنظمة بأسرة هذا الموقوف، وأفادت بأنه «ربما» يكون تعرض للتعذيب داخل مقر احتجازه، لذا رفعت تقريراً بذلك إلى اللجان المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة! وعندما وسُئل رشيد مسلي عما إذا كانت المنظمة حاولت التثبت من صحة هذه الادعاءات، من خلال السلطات الإماراتية، أو جمعية حقوق الإنسان، أو طلب لقاء الموقوفين أنفسهم، أجاب: «لا، لم نفعل ذلك، ولا يمكننا التواصل مع الموقوفين المشار إليهم حتى يتم إطلاق سراحهم، والمنظمة تحصل على المعلومات، من خلال شبكات تعمل لمصلحتها وأطراف داخل الدولة، منها أُسر الموقوفين عبر البريد الإلكتروني والهاتف»، لكن لم يقابل أياً من موظفيها أصحاب الشأن أنفسهم! أول ما يستوقف القارئ هنا هو سهولة رفع التقارير للجان المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فالتقرير كما ورد على لسان مستشار المنظمة القانوني، بُني على إفادات محام لم تفصح المنظمة عنه ولا عن هويته ولا ميوله وأغراضه، فجمعية الحقوقيين كانت ذات يوم بيتاً إخوانياً خالصاً في الإمارات، استغله الموقوفون في غفلة وثقة من الدولة والمجتمع، وليس من المستبعد أن يكون هذا المحامي الذي تم ذكره واحداً من دعامات التنظيم الإخواني المتأسلم، خاصة وأن الأطراف المتورطة في هذه القضية والتي تدير وتوجه المنظمة لها علاقة وثيقة بهذا الشأن، ورئيس مجلس إدارتها أستاذ تاريخ سابق في جامعة الدوحة، وهو القطري عبدالرحمن النعيمي، كما اعتمدت المنظمة -كما جاء على لسان مستشارها القانوني- على شكوك لدى ذوي الموقوف الذي منحته جائزتها المشكوك في معاييرها، وأكد أن المنظمة لا تملك دليلاً مادياً يثبت ذلك! وما يعزز فرضية الاستهداف في هذه الجائزة الممنوحة، هو عدم لجوء أعضاء أو مفتشي منظمة «الكرامة» إلى أية جهة رسمية، واتهمت دولة الإمارات دون أن تتعب نفسها بأخذ إفادتها، ولم تلجأ لأية جهة حقوقية موالية للإمارات أو حتى محايدة، لكنها حكمت بحكم بنته على شهادات الطرف الواحد، وهو الطرف الذي أرادت، والذي يضع عدة دوائر من الشكوك حول تبعيتها. ورغم نفيها تلقي أي أموال من إحدى دول الخليج، فإن الشواهد كلها تقول بأن منظمة ناشطة، تتمكن بهذه السهولة من رفع مذكرات وتقارير وتوصيات لأعلى هيئات سيادية في العالم من قبيل الأمم المتحدة ومنظمة حقوق الإنسان، وغيرهما من الجهات التي تحظي بالتمثيل العالمي العام، لا يمكن أن تمضي بلا تمويل، ولا يمكن أن تؤدي عملها وتستمر فيه بلا دعم. ويبقى لاستعجال المنظمة رفع تقاريرها عن الإمارات للجهات المعنية التي ذكرها مستشارها القانوني، عدة دلالات، أهمها أن هذه المنظمة كانت تريد بأي شكل من الأشكال أن تصل لتلك الجهات وتقوم بتشويه صورة الإمارات ومجتمعها، انطلاقاً من أهداف خفية يعلمها المستهدفون، فهي لم تترو حتى استكمال التحقيقات، ولم تلجأ لسماع رأي وإفادات الطرف الآخر، ولم تحاول مقابلة ذوي الشأن أنفسهم، ثم نصّبت نفسها مدافعة عن حقوقهم، وينسحب الحال على الدول التي يحكمها التنظيم الإخواني المتناقض الأفعال والأقوال، والذي لم يتغيب عن المشهد اليومي الذي تنقله شاشات التلفزة ومختلف أجهزة الإعلام المحلية والإقليمية والعالمية بما يحدث من خروقات واضحة لحقوق الإنسان هناك مع سبق الإصرار والترصد. ورغم أن منح هذه المنظمة جائزتها لموقوف في السجون يعد استفزازاً لدولة الإمارات وشعبها، إلا أن الاعتراف بعدم التثبّت من الادعاءات، ورفعها لجهات عالمية سيادية بغرض تشويه صورة الإمارات، يعتبر أكبر من الفعلة الأولى في حق شعب ما اعتدى يوماً على حقوق جيرانه، ولا تدخل يوماً في شؤون الآخر، ولا انشغل بغير ما يفيد مجتمعه والبشرية جمعاء، لكن المستهدفين لا يعجبهم أن ينشغل المجتمع بالنهضة والتطور فيترك مجالا للمقارنة بينه وبين الدول التي يضع يده عليها، فالإخوان المتأسلمون أثبتوا أن قمة تخطيطهم تنتهي عند الوصول لكراسي الحكم، لكنهم لا يملكون برنامجاً لتسيير الدولة بعد الاستيلاء على الحكم فيها، والذي لن يكون استيلاءً أبيض طالما أنهم يشكلون طرفاً فيه، ونهضة الإمارات هي الخطر الأكبر عليهم، فما دامت الإمارات قائمة بهذا التطور، ودول الحزام الإخواني آخذة في التدحرج إلى الوراء، فإن بقاء الإمارات قد يغري الكثيرين بالثورة للمطالبة بمثلها، وهو ما يخافه تنظيم الإخوان المتأسلمين. ورغم تحريمهم الاستعانة بالأجنبي أو الرضوخ لضغوطاته، ها هم قبل أن يتحروا من صدق وصحة المعلومة، هرولوا بها إلى هذا الأجنبي الذي كان حتى وقت قريب يمثل في أدبياتهم رمزاً للكفر والفسوق والعصيان، وأن مجرد تحيته تعني الخروج عن الملة وتعني خيانة الأوطان والمجتمعات والدين، غير أن شعارات ما قبل السلطة أياً كان نوعها عند تنظيم «الإخوان» تختلف لدرجة التضاد مع فعائل وشعارات التنظيم ما بعد السلطة.