الصراع الإقليمي حول سوريا... وحقيقة العلاقات الإسرائيلية الأوروبية سوريا باعتبارها محور الصراع في الشرق الأوسط، وانسحاب الجنود الإسرائيليين من المواجهة مع مدنيين فلسطينيين في الضفة الغربية، واستخدام صواريخ سكود من قبل النظام السوري، ثم واقع العلاقات الإسرائيلية والأوروبية... قضايا نعرض لها ضمن جولة سريعة في الصحافة الإسرائيلية. محور الصراع كتب أستاذ الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية بالجامعة العبرية بالقدس، إيلي بوديه، مقالا يوم أمس الجمعة في صحيفة «هآرتس» عرض فيه للأهمية الاستراتيجية لسوريا في المنطقة، والتي جعلتها على مر التاريخ محور الصراع بين القوى الإقليمية والدولية، وهو في ذلك يعود إلى كتاب الصحفي باتريك سيل «الصراع حول سوريا». فهذه الأخيرة تنبع أهميتها القصوى في المنطقة من موقعها الجيواستراتيجي في قلب الشرق الأوسط الذي جعلها قطب الرحى في المنطقة ومحط أطماع كل طامح للسيطرة على الشرق الأوسط. وهكذا يقول الكاتب، شهدت سوريا صراعات متوالية في العصر الحديث بدءاً من الخمسينيات والستينيات، بين مصر والعراق للهيمنة على العالم العربي، حيث كانت سوريا ساحة لهذا التنافس المحموم. وبالموازاة مع ذلك تحولت سوريا أيضاً إلى ساحة معركة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة في سياق الحرب الباردة. واليوم تأتي الحرب الأهلية المندلعة بين الأطراف المختلفة لتعيد سوريا مرة أخرى إلى قلب الصراع الإقليمي والتنافس للسيطرة على الشرق الأوسط. فقد تحول الصراع في الخمسينيات بين أنصار عبد الناصر وأيديولوجيته القومية وبين الدول الأخرى المتوجسة من تطلعاته، إلى تنافس خطير في الوقت الحالي بين السنة والشيعة. فمن جهة هناك البلدان السنية التي تنامت قوتها عقب «الربيع العربي» الذي جاء بأنظمة إسلامية إلى السلطة، سواء في تونس أم ليبيا أم مصر. هذا بالإضافة إلى الثورة الإسلامية الخفية الجارية في تركيا منذ عقد من الزمن، ومن جهة أخرى هناك ما يطلق عليه الهلال الشيعي الذي تقوده إيران والعراق بعد الغزو الأميركي وسوريا المتحالفة مع طهران، ثم «حزب الله» في لبنان. وفي كل هذا الصراع تبقى سوريا المحور الرئيس، حيث يحاول كل طرف جرها إلى معسكره، وهو ما يضعها في مفترق طرق حقيقي يحركه تنافس يتجاوز الصراع الداخلي بين النظام والمعارضة، ليمتد إلى المصالح المختلفة للاعبين في الإقليم. صواريخ سكود السورية في افتتاحيتها ليوم أمس الجمعة استعرضت «جيروزاليم بوست» التطورات الأخيرة على الساحة السورية في ظل الاجتماع الذي عقد مؤخراً في المغرب لائتلاف المعارضة والدعم الذي تعهد بتقديمه الغرب سواء في شقه المتعلق بالمساعدات الإنسانية التي يحتاج إليها أكثر من 2.5 مليون نازح داخل البلاد، أو الشق المرتبط بالتسليح. وفي هذا الإطار أشارت الصحيفة إلى التطور الأبرز المتمثل في اعتراف الولايات المتحدة بائتلاف المعارضة كممثل شرعي للشعب السوري في دلالة على قرب تقديم السلاح. هذه التطورات جميعاً تأتي في سياق التقدم العسكري الملموس الذي تقول الصحيفة إنه تحقق في الأسابيع الأخيرة بعد سيطرة الثوار على عدد من المطارات والثكنات العسكرية التابعة للنظام، فضلا عن وصول طلائع الثوار إلى العاصمة، يضاف إلى ذلك ما نقلته التقارير الأميركية من استخدام النظام لصواريخ سكود في قصف المعارضة، وهو تطور عسكري غير مسبوق في المعارك الجارية منذ فترة بين النظام والمعارضة. لكن هذه المجريات، تقول الصحيفة، تطرح عدداً من الأسئلة المهمة التي تشغل بال إسرائيل في هذه المرحلة، وهي تلك المتعلقة بالقوى التي ستصعد إلى الحكم بعد الأسد، فمعروف الدور الذي يلعبه الإسلاميون سواء داخل هياكل المعارضة الخارجية والسياسية التي يتسنم فيها عناصر «الإخوان المسلمون» مكانة مهمة، أو الجماعات الإسلامية التي تحمل السلاح في الداخل وتقاتل النظام، لذا ترى الصحيفة أنه من الأفضل لحفظ الاستقرار في الجبهة الشمالية لإسرائيل، ولتجنب فوضى المراحل الانتقالية التي تعيشها اليوم مصر وتونس وليبيا وما أفرزته من انقسامات حادة، البدء أولا في سوريا بتشكيل مؤسسات جامعة لرسم خريطة طريق واضحة قبل تنحي النظام والتوافق على مجموعة من المبادئ التي تضمن الحقوق لجميع الأقليات. انسحاب موفق وتطرقت صحيفة «هآرتس» في افتتاحيتها ليوم الخميس الماضي إلى شريط الفيديو الذي ظهر على المواقع الإلكترونية وبرز فيه مجموعة من الجنود الإسرائيليين وهم يفرون أمام المتظاهرين الفلسطينيين في مدينة الخليل، هذا الشريط الذي أثار ضجة كبرى في إسرائيل بعد انتقادات تعرض لها تصرف الجنود من قبل المستوطنين واليمين، بل حتى من المسؤولين في الحكومة الذين طالبوا الجنود بإطلاق النار حتى لو أدى ذلك إلى سقوط ضحايا وقتل المدنيين، لكن الصحيفة ترى أن ما قام به الجنود الإسرائيليون كان عين العقل لأنه بدلا من فتح النار وتعريض أنفسهم للمساءلة العسكرية، أو حتى الدولية، قرروا الانسحاب بعد تعرضهم للرشق بالحجارة، لاسيما وأن الكاميرات كانت موجهة نحوهم وأي تجاوز أو إطلاق نار كان سيسجل ضدهم. هذا وتلوم الصحيفة أيضاً الحكومة الإسرائيلية والقيادة العسكرية التي ترسل شباناً صغاراً من المجندين إلى المناطق الفلسطينية للقيام بدوريات لا تدخل أصلا في اختصاصات الجيش، فهذا الأخير مؤهل لخوض المعارك وليس للقيام بدوريات في مدن وأماكن مكتظة بالسكان. وكان يفترض بالجيش، تقول الصحيفة، إرسال وحدات من الاحتياط الأكثر نضجاً وقدرة على التعامل مع المدنيين بدلا من جنود يافعين حديثي العهد بالجيش. كما تشير الصحيفة إلى ضرورة الاعتماد أكثر على شرطة الحدود في الاحتكاك مع الفلسطينيين، لكن الحل الأمثل من وجهة نظرها هو ترسيم حدود واضحة لإسرائيل والاعتراف بالدولة الفلسطينية فعلا وليس قولا فقط، وهو ما سيتيح للجيش الانسحاب إلى داخل الحدود الإسرائيلية وتوفير المشاهد المحرجة التي ظهر فيه الجيش الإسرائيلي وهو يولي الأدبار أمام المدنيين الفلسطينيين. إسرائيل وأوروبا يدحض الكاتب والمعلق الإسرائيلي، أرسين أورتسوفسكي، في مقاله المنشور على صفحات «يديعوت أحرنوت» مقولة العلاقات المتدهورة بين أوروبا وإسرائيل، والتي يروج لها في الإعلام الإسرائيلي، وحتى الأوروبي أيضاً، على خلفية وقوف عدد من الدول الأوروبية المعروفة بدعمها التقليدي للدولة العبرية إلى جانب طلب فلسطين ترقية وضعها إلى دولة مراقب غير عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة. فقد فوجئت إسرائيل، يقول الكاتب، بامتناع كل من بريطانيا وألمانيا عن التصويت، فيما فضلت غالبية الدول الأوروبية الرئيسة الانحياز للطلب الفلسطيني، بل حتى الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية لاحقاً وإعلانها بناء المزيد من الوحدات الاستيطانية واجهته أوروبا بردود فعل غير مسبوقة مثل استدعاء سفراء إسرائيل في العواصم الأوروبية للاحتجاج. لكن كل هذه التطورات لا تعبر، في نظر الكاتب، عن حقيقة المصالح الاقتصادية المتجذرة بين إسرائيل وأوروبا، هذه المصالح التي تُترجم في عدد من الاتفاقيات المشتركة بين الجانبين، والتي يسرد الكاتب عدداً منها؛ ففي عام 2010 انضمت إسرائيل إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تشمل مجموعة من الدول الأوروبية الوازنة، بل حتى بعض الدول الأوروبية المعروفة بمواقفها المعارضة لإسرائيل، مثل إسبانيا وإيرلندا والنرويج، وافقت على التحاق إسرائيل بالمنظمة، وفي عام 2011 أصبحت إسرائيل، يؤكد الكاتب، أول دولة غير أوروبية عضو في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية، أما في يوليو من السنة الجارية فقد وقعت الدولة العبرية على مذكرة تفاهم مع أوروبا لتعميق التعاون العلمي في مجالات الطاقة وتحلية مياه البحر اللذين تعد إسرائيل رائدة فيهما... كل ذلك، يقول الكاتب، يجعل من التصريحات الصحفية المحذرة من توتر العلاقات الإسرائيلية الأوروبية غير صحيحة ومجافية للصواب. إعداد: زهير الكساب