يوم الخميس الماضي طلبتُ من الرئيس أوباما سحب ترشحي لمنصب وزيرة الخارجية؛ وقد اتخذت هذا القرار لأنه يمثل الخطوة الصحيحة بالنسبة لهذا البلد الذي أحب. والواقع أنه لم يسبق لي أبداً أن تهربت من معركة من أجل قضية أؤمن بها؛ ولكن ولأنه أصبح من الواضح أن إمكانية تعييني ستثير معركة طويلة بين الحزبين، خلصتُ إلى أنه سيكون من الخطأ السماح لهذا الجدل بالاستمرار في صرف انتباهنا عن الأولويات الوطنية الملحة – خلق الوظائف، وتنمية اقتصادنا، ومعالجة مشكلة عجزنا المالي، وإصلاح نظامنا الخاص بالهجرة، وحماية أمننا القومي. فهذه هي المواضيع التي تستحق منا الاهتمام، وليس جدالا حولي أنا. في السادس عشر من سبتمبر، عندما تعذر على وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ذلك بعد أسبوع شاق ومرهق، طلب مني البيت الأبيض المشاركة في خمسة برامج حوارية يوم الأحد بقصد مناقشة جملة من مواضيع السياسة الخارجية مثل الاحتجاجات ضد بعثاتنا الدبلوماسية عبر العالم، والهجوم في بنغازي، وبرنامج إيران النووي. ولدى مناقشتي لموضوع بنغازي، اعتمدتُ على نقاط مرخصة وغير سرية وفرتها أجهزة الاستخبارات، وكانت تلخص أفضل تقييماتها آنذاك. وقد كانت تلك النقاط غير السرية تنسجم مع تقييمات سرية كنت تلقيتُها كمسؤولة رفيعة. وقد سيكون من غير المسؤول أن أستبدل أي رأي شخصي برأي حكومتنا، ومن الخطأ الكشف عن معلومات سرية. كما أوضحت في كل مقابلة صحفية أن المعلومات التي أقدمها أولية، وأن التحقيقات الجارية ستعطينا أجوبة نهائية. وشخصياً، أكن تقديراً كبيراً لمهنيينا الاستخباراتيين الذين يعملون بجد من أجل توفير أفضل تقييماتهم بناء على المعلومات المتاحة؛ ولكن الخبرة الطويلة تُظهر أن رواياتنا الأولى حول الهجمات الإرهابية ومآس أخرى كثيراً ما تتطور مع مرور الوقت. غير أن أجهزة الاستخبارات قامت بعملها بنية حسنة؛ وكذلك فعلتُ أنا. إنني لم أسع أبداً، بأي طريقة أو شكل أو صيغة، إلى تضليل الشعب الأميركي، لأن القيام بذلك يتنافى مع شخصيتي وحياتي في الخدمة العامة. غير أنه خلال الأسابيع الأخيرة، شُنت هجومات جديدة استهدفت تشويه شخصي وعملي. وحتى قبل أن أعين لأي منصب جديد، رسم سيل من التهم الجديدة صورة خاطئة ومغلوطة عني. وهذا الأمر شوش بشكل متزايد على عملي باسم الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ومع أجندة أميركا. لقد نشأتُ في العاصمة واشنطن وقد سبق لي أن رأيت العديد من المعارك حول السياسة والسياسات؛ إلا أنه لم يكن ينبغي لتعيين في منصب يتعلق بالأمن القومي أن يحوَّل إلى صراع سياسي، وخاصة أن الأمر يتعلق بمجرد احتمال تعيين. فثمة مواضيع أهم على المحك. ولذلك، خلصتُ إلى أنه لا بد من وقف هذا الإلهاء. وقد كان هذا القرار صحيحاً لأربعة أسباب: أولاً: إن التزامي بالخدمة العامة يقوم على اعتقاد راسخ بأن مصالح بلدنا يجب أن تغلَّب على المصالح الفردية. وشخصياً، كرستُ حياتي لخدمة الولايات المتحدة والسعي لإصلاح عالمنا غير المثالي. وهذا هو المجال الذي أريد أن أركز عليه جهودي، وليس الدفاع عن نفسي أمام هجومات سياسية لا أساس لها. ثانياً: إنني أحترم كثيراً دور الكونجرس في نظام حكمنا، إلا أنه بعد الهجمات الفظيعة التي أودت بحياة أربعة زملاء في بنغازي، يجب على حكومتنا أن تعمل على حل مشاكل حقيقية وتجلب مرتكبي الهجوم إلى العدالة. كما يجب أن نعزز أمن بعثاتنا الدبلوماسية ونحسِّن عملنا الاستخباراتي في الشرق الأوسط المضطرب. فتحقيق هذه الأهداف أهم بكثير من المعارك السياسية أو الهجمات الشخصية. ثالثاً: إن الشعب الأميركي يتوقع منا أن نتوحد ونعمل معاً من أجل الحفاظ على أمن بلدنا. فالزعامة الأميركية في الخارج تتقوى دائماً عندما نتجاوز ونسمو فوق الخلافات الحزبية حول مسائل الأمن القومي. وتصبح أميركا ضعيفة جداً عندما يتم تغليب السياسة على ما عداها. وإذا كان ثمة فائدة ما من تجربة الأشهر القليلة الماضية، فإني آمل أن تكون هي تجديد التركيز على مصلحة الشعب الأميركي – وتجديد التأكيد على ضرورة التعاطي مع عملية اختيار المرشحين المحتملين لمنصب سام يتعلق بالأمن القومي وفق أفضل تقاليد بلدنا السياسية. وأخيراً، علي أن أقر بأن لدي وظيفة رائعة. وقد كان من دواعي شرفي أن أخدم كسفيرة للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، كما أنني فخورة بأن الرئيس أوباما أعاد ترميم مكانتنا العالمية، وأعاد التركيز على أكبر التهديدات التي تحدق بأمننا، ودفع بقيمنا إلى الأمام عبر العالم، ثم إنني فخورة أيضاً بالنجاحات العديدة التي حققها فريقي الضخم في البعثة الأميركية إلى الأمم المتحدة: إنقاذ ما لا يحصى من المدنيين من مذبحة في ليبيا، وفرض أشد العقوبات على إيران وكوريا الشمالية، والدفاع عن إسرائيل وأمنها، والمساهمة في رعاية ولادة أحدث دولة في العالم، جنوب السودان. كل هذه الجهود تذكِّرنا بأننا نستطيع القيام بأكثر من ذلك بكثير عندما نتحد ونعمل معاً، وليس عندما نسمح لأنفسنا بالانقسام والفرقة، وهو درس سأتذكره دائماً بينما أواصل عمل الشعب الأميركي في الأمم المتحدة. _______________ سوزان رايس سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»