تعيش واشنطن واحدة من نوبات الاهتياج المألوفة مع اقتراب نهاية العام، حيث لم يتوصل الكونجرس والبيت الأبيض بعد إلى حل بشأن الطريقة الأفضل لتفادي زيادات ضريبية أوتوماتيكية وتخفيضات في الميزانية ستدخل حيز التنفيذ في الأول من يناير 2013 في حال لم يتم التوصل إلى أي اتفاق. وللتذكير، ففي صيف 2011، ومن أجل تجنب إعلان التخلف عن تسديد الدين الأميركي، وافق الكونجرس على تطبيق تخفيضات جذرية في الميزانية وزيادات ضريبية في نهاية 2012 في حال لم يتم التوصل إلى أي اتفاق بشأن الميزانية. وفي هذه الأثناء، عززت إعادة انتخاب أوباما في نوفمبر الماضي حجة الديمقراطيين الذين يقولون إن أي قرار بخفض الميزانية الاتحادية، وخاصة بالنسبة للبرامج ذات الشعبية الواسعة، مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، لن يُبحث إلا إذا وافق «الجمهوريون» على زيادة ضريبية على الاثنين في المئة الأكثر غنى من السكان. غير أن «الجمهوريين»، الذين مازالوا يترنحون جراء خسارتهم الحاسمة أمام أوباما، مازالوا يبسطون سيطرتهم على مجلس النواب ويجادلون بأنه إذا كان الرئيس قد حافظ على البيت الأبيض، فإنه لم يظفر بالسيطرة على كل الكونجرس وأنه مازالت لديهم كتلة ناخبة ترغب في تجنب أي زيادات ضريبية، لاسيما على الاثنين في المئة الأوائل. وحجتهم هي أن ذلك سيشمل العديد من الشركات الصغيرة التي تبلِّغ عن دخلها السنوي لمصلحة الضرائب والتي ستتضرر بالتالي من الزيادات الضريبية وستضطر إلى تسريح عدد من العمال. غير أن إحدى الطرق للخروج من هذا الوضع الصعب تتمثل في رفع العتبة بالنسبة لهذه الضرائب من الاثنين في المئة الأوائل إلى واحد في المئة من السكان، وهو ما سيكون مقبولا بالنسبة لعدد من الجمهوريين المهمين رغم أن غريزتهم الطبيعية تملي عليهم مقاومة أي زيادة في معدلات الضريبة. ويعتقد «الجمهوريون» أن العائدات الجديدة التي تأتي إلى الميزانية الفيدرالية، ينبغي أن تُستمد من خلال القضاء على الثغرات الضريبية وإزالة بعض التخفيضات الضريبية التي تحظى بشعبية واسعة بين الشركات الكبرى، وفي حالة الرهون المنزلية، بالنسبة لأي شخص يشتري منزلًا من خلال رهن عقاري في الولايات المتحدة. غير أنه مما لا شك فيه أن أوباما هو الذي لديه اليد الطولى في هذا الجدال، ليس بسبب فوزه في انتخابات نوفمبر الماضي الرئاسية فحسب، ولكن أيضاً لأن استطلاعات الرأي تُظهر أن معظم الأميركيين سعداء برؤية الاثنين في المئة الأوائل من السكان يدفعون المزيد من الضرائب على الدخل. إلا أن المشكلة تكمن في أن «الجمهوريين» مدينون بالفضل لأنصارهم في حركة «حفلة الشاي» الذين يؤمنون إيماناً راسخاً بفكرة أنه لا يمكن السماح بأي ضرائب جديدة. وهو ما يضع رئيس مجلس النواب، جون بوينر، في وضع صعب نظراً لأنه يدرك حقيقة أنه إذا لم يعقد اتفاقاً مع أوباما، فإنه وحزبه سيُحمَّلان مسؤولية الفوضى التي ستحدث في ما بعد. بيد أن هذا الجدل هو أيضاً موضوع اقتصادي يشغل بشكل خاص بال سكان منطقة واشنطن أكثر من غيرهم، وذلك على اعتبار أن واشنطن دي سي، وفرجينيا وميريلاند المجاورتين، تحصل على جزء هام من المال الفيدرالي، ولاسيما من وزارة الدفاع، وذلك من أجل اقتصاد الولايات الثلاث. والحال أن ميزانية الدفاع ستَعلق في التخفيضات الإلزامية، مما سيطرح مشاكل حادة بالنسبة للميزانيات ومستويات التوظيف محلياً وعلى مستوى الولايات المذكورة. ولذلك، فإنه من المرجح أن يتم عقد نوع من الاتفاق أو الوصول إلى مواءمة سياسية في اللحظات الأخيرة قبيل ذهاب الكونجرس لعطلة أعياد الميلاد. غير أنه مسألة ما إن كان ذلك سيمثل حلًا على المدى القصير أو أساساً لـ«صفقة كبرى» طويلة المدى، فتلك مسألة لا تزال غير معروفة. على أن الشيء الذي لا يريده البيت الأبيض حتى الآن هو اتفاق مؤقت يؤجل القرارات الكبيرة إلى وقت لاحق من عام 2013، أو ما بعده؛ وهو ما من شأنه أن يبطئ جهود الإدارة الرامية إلى وضع سياسة اقتصادية سليمة وقوية، كما أن من شأنه أن يؤخر الوصول إلى حل في وقت بدأ يُظهر فيه الاقتصاد الأميركي مؤشرات على الانتعاش. ومما لا شك فيه أن من شأن أزمة مالية في هذا الوقت أن تؤثر تأثيراً سلبياً على الأسواق، وأن تكون لها تداعيات ملموسة عبر العالم كله تقريباً. لكن الأكيد أيضاً هو أنه لا بد في نهاية المطاف من أن تكون ثمة تخفيضات في نفقات الميزانية الأميركية، وبخاصة في مجال الرعاية الصحية. غير أن ذلك لن يحدث إلا إذا دفع الأميركيون الأغنياء المزيد من الضرائب، وهذه واحدة من النتائج التي لا نقاش فيها لانتخابات عام 2012. وبالمقابل، فإن أزمة مالية في الولايات المتحدة ستمثل خبراً سيئاً بالنسبة للجميع: «ديمقراطيين»، و«جمهوريين»، وكذلك بالنسبة لأوروبا، والصين، وبقية العالم كذلك. لكن في اللحظة الحالية تحديداً، ومع اقتراب نهاية العام، يبدو كلا الحزبين واعيين بالأخطار المحدقة إذا لم يتم التوصل إلى أي اتفاق. ولذلك، فهناك تفاؤل حذر بأن توافقاً ما سيحدث في نهاية المطاف.