أستطيع القول وأنا مطمئن لذلك، بأنه لو تم استثمار التوجه العربي الجديد وما يميزه من يقظة ووعي بضرورة الحفاظ على اللغة العربية والاهتمام بها، فإن هذه اللغة ستنهض وستخرج من إطارها الضيق الذي وضعت فيه، إلى إطارها الواسع. وتبدو مظاهر تلك اليقظة واضحة في المؤلفات والأبحاث التي ظهرت مؤخراً، وفي المؤتمرات والندوات التي أخذت تطرح رؤيتها داعيةً إلى النهوض باللغة العربية وتمكينها من الثقافة والعلم في وطنها الأم وبين أبنائها، وجعلها قادرة على مواجهة التحديات التي تواجهها. فاللغة تمثل الوعاء الفكري والثقافي والحضاري الذي يحمل عقيدة الأمة وثقافتها وهويتها وخصائصها الحضارية. والنهضة اللغوية، كما يقول المستشرق الفرنسي لويس ماسنيون، هي نهضة اجتماعية شاملة تتطلع إليها شعوب الشرق المعاصرة، لأن اللغة من مقومات النهضة، لذلك حين خسرت فرنسا إمبراطوريتها الاستعمارية، عوضتها بإمبراطوريتها اللغوية متمثلة في اللغة والثقافة الفرنسيتين، فجعلت منظمة الفرانكفونية العالمية تطلع بدور يضاهي الدور الذي كان يقوم به جنودها في السابق. وقد خرجت «مؤسسة الفكر العربي» من اجتماعها المنعقد خلال شهر نوفمبر المنصرم في مدينة دبي، تحت عنوان «لننهض بلغتنا»، بنتائج مهمة تركزت حول النهوض باللغة العربية، وذلك بعد دراسة وتشخيص دقيقين للواقع اللغوي في الوطن العربي، واستجلاء العوامل السلبية والإيجابية المؤثرة على اللغة العربية. وقد تضمنت هذه التوصيات نقاطاً لو تم تجسيدها عملياً لتغيرت حالة اللغة العربية نحو الأفضل، وهي: 1- العمل على إيجاد سياسات لغوية جادة وملزمة مبنية على تخطيط لغوي شامل يهدف إلى إعلاء شأن اللغة العربية وإعادة الاعتبار إليها عبر القيام بمبادرات تشريعية وثقافية وتربوية واجتماعية وإعلامية ترعاها الحكومات العربية توجيهاً وتمويلاً. 2- اعتبار تعليم اللغة العربية للأجانب في مختلف البلاد، واجباً وطنياً يضاهي خدمة العلم وتهيئة الوسائل والأدوات المساعدة على ذلك، كما تفعل الدول الأجنبية التي تعتبر لغتها رمزاً لشرفها القومي. 3- إلزام المدارس الأجنبية في البلدان العربية بتخصيص حصص كافية لتدريس اللغة العربية لطلابها. 4- دعوة جامعة الدول العربية لتأسيس كيان دولي للغة العربية على غرار المنظمة الفرانكفونية العالمية، يكون بمثابة مظلة لتنسيق الجهود والأعمال بين مختلف المؤسسات العاملة في مجال اللغة العربية ونشرها. 5- الدعوة لإنشاء هيئة تخطيط لغوي عليا تنبثق عن اتحاد المجامع اللغوية والعلمية، لتتولى شؤون التخطيط والتنسيق والرقابة والإشراف على تنفيذ قانون الحفاظ على سلامة اللغة العربية وضمان استخدامها. 6- العمل على إصدار ميثاق شرف إعلامي عربي يوجب استخدام اللغة العربية الفصيحة الميسرة في وسائل الإعلام العامة والخاصة. 7- اعتماد مبدأ التعريب الشامل من منطلق المنظور السيادي وانتهاج هذا التعريب في المقررات الدراسية. 8- دعوة وزارات الثقافة العربية وكافة الجهات المعنية إلى تخصيص جائزة لأفضل الأعمال الفنية التي تعلي من شأن اللغة العربية. 9- العمل على مواكبة التطور السريع في عالم النشر الرقمي.