لا يروي كتاب «الطريق الوعر» قصة نجاح «لي ميونج- باك» فقط، بل هو على نحو مواز يروي تاريخ أمة استطاعت الانطلاق من شقاء الفقر إلى نعيم الثراء، ومن بؤس الجهل والتخلف إلى نعمة العلم والتقدم التكنولوجي، حتى بات الاقتصاد الكوري يتبوأ المرتبة الثالثة عشرة بين أقوى اقتصادات العالم في الوقت الحالي. ووفقاً للكتاب فقد ترعرع «لي ميونج-باك» في أسرة مُعدمة، عقب الحرب الكورية، لكنه بالذكاء والعزيمة والإرادة أحدث تحولاً نوعياً في حياته، رافضاً الاستسلام لحياة الفقر والجهل، حيث التحق بالمدرسة ثم أكمل دراسته الجامعية بالاعتماد على نفسه. عندما انتهت الحرب الكورية عام 1953، كان «لي ميونج-باك» في الثانية عشرة من العمر. وكانت أسرته، مثل كثير من الأسر الكورية، تعاني فقراً مدقعاً. وخلال فترة طفولته المبكرة، كان يساعد أمه في بيع قطع الكعك في السوق المحلية، ليتمكن من إعالة أسرته وتوفير مصاريفه الدراسية. وقد أصر على استكمال تعليمه، فالتحق بمدرسة ثانوية تجارية ليلية في مدينة بوهانج، وبسبب تفوقه كان يُعفى من الرسوم الدراسية. وبعد أن تخرج منها، انتقل إلى سيول ليلتحق بكلية التجارة في جامعة كوريا عام 1961، وهناك اضطر للعمل جامع قمامة حتى يتمكن من توفير مصاريف الدراسة الجامعية. لكنه سرعان ما أصبح رئيساً لاتحاد الطلبة في كليته، وشارك في حركة الثالث من يونيو 1964 الاحتجاجية الرافضة لسياسة تطبيع العلاقات مع اليابان، والمطالبة بإسقاط النظام المستبد وتطبيق الديمقراطية، فاعتقل وحكم عليه بالسجن سنتين. وفي السجن قرأ الكثير من كتب التجارة والاقتصاد، اعتقاداً منه بأن كوريا بحاجة إلى التركيز على هذين المجالين وتحسينهما. وبدأ «لي ميونج -باك» حياته المهنية موظفاً صغيراً في شركة هيونداي للهندسة والإنشاء، ثم ترقى إلى أن أصبح المسؤول التنفيذي للشركة، فاستطاع تحويلها من شركة إنشاءات محلية صغيرة إلى مؤسسة عالمية. فعندما التحق «لي ميونج- باك» بشركة هيونداي عام 1965، كانت مجرد شركة إنشاءات محلية صغيرة لا يتجاوز عدد موظفيها 90 موظفاً. ونتيجة لجدّه ومثابرته وابتكاره في العمل، لفت إليه أنظار مؤسس الشركة «شونج جو -يونج»، وأخذ يترقى في الشركة إلى أن أصبح رئيسها التنفيذي وهو في الخامسة والثلاثين من العمر. قضى «لي ميونج- باك» سبعة وعشرين عاماً من حياته في هيونداي، وساعد في تحويلها إلى شركة عالمية تضم 170 ألف شخص على مستوى العالم، وتتجاوز عائداتها السنوية 40 مليار دولار أميركي. واستطاع أن ينشئ أعمالاً للشركة في كثير من الدول الآسيوية، ولعب دوراً بارزاً في دخولها إلى منطقة الشرق الأوسط. وبعد نجاحه في قطاع الأعمال، تحول «لي ميونج -باك» إلى عالم السياسة، حيث انتخب في عام 1992 عضواً في الجمعية الوطنية عن «الحزب الديمقراطي الليبرالي» الحاكم. فعلى مدى السنوات السبع والعشرين الماضية كان رجل أعمال في قلب التقدم الاقتصادي الباهر لبلاده، لكنه أراد أن يطبِّق على عالم السياسة ما تعلمه في عالم الأعمال، وكان متأكداً من أنه إذا ما تمكن من دمج تلك الممارسات في أساليب العمل السياسي، فسيتمكن عندئذ من خلق أسطورة جديدة، تضاف إلى أسطورته في هيونداي. ثم انتخب عمدة لمدينة سيول عام 2002، حيث عمل على تحقيق مشروع ضخم وهو إعادة إحياء نهر شيونجيشيو، كما حقق بعض المنجزات المهمة في تاريخ المدينة، واستمر في ذلك المنصب حتى عام 2006. ثم توج «لي ميونج -باك» حياته السياسية بانتخابه رئيساً لجمهورية كوريا عام 2007. ومع إدراكه بأن رئاسة الاقتصاد الثالث عشر الأكبر عالمياً تختلف كلياً عن إدارة شركة أو مدينة، فإنه سرعان ما واجه تحدياً صعباً ألا وهو الأزمة الاقتصادية العالمية التي نشبت عام 2008، إذ بعد أيام قليلة فقط على تسلمه مهام منصبه كرئيس للبلاد، اُضطر للكفاح من أجل الحيلولة دون غرق الاقتصاد الكوري. لقد أدرك أن الأزمة الاقتصادية العالمية كانت اختباراً لالتزام الدول بالتعاون الدولي، وأن الشواغل العالمية الملحّة تتطلب تعاوناً دولياً، وأن أحد هذه الشواغل هو التغير المناخي. لذا أطلق رؤيته الجديدة لمستقبل كوريا، والقائمة على «النمو الأخضر المنخفض الكربون»، كما أطلق برنامج «أصدقاء كوريا العالميون». لقد خرجت كوريا الجنوبية من حرب شبه الجزيرة الكورية في خمسينيات القرن الماضي مدمرة ومعدمة، لكنها اليوم تمتلك اقتصاداً قوياً وتنتج أجهزة الهاتف المحمول، وأشباه الموصلات، وتبني سفناً عملاقة، وسيارات فارهة، إضافة إلى أعلى ناطحات السحاب وأطول الجسور. فكيف نجحت هذه الدولة الصغيرة في أن تصبح على ما هي عليه الآن؟ نجد جانباً مهماً من الإجابة على ذلك السؤال في ما ذكره «لي ميونج-باك» من أن أمه كانت ملهمه الأول، فقد أرادته دائماً أن يعمل بجد، وأن يثابر، وأن يكون لديه إيمان قوي، وأن يخدم الآخرين ويحبهم. وهو في مسيرة حياته الوعرة كان يحاول أن يتمثل تلك القيم والتوجيهات، والتي كانت تشحذ فيه التوق واللهفة إلى حياة أفضل... وهذا ما مكّنه، والكوريون أيضاً، من إنجاز ما يَعُدُّه الكثيرون مستحيلاً. محمد ولد المنى الكتاب: الطريق الوعر... السيرة الذاتية للرئيس لي ميونج – باك المؤلف: لي ميونج – باك الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2012