في الأيام الأولى من ديسمبر 1991 استُدعيت سكرتيرة روسية تدعى «إيفجينيا بيتيشاك» لأداء مهمة عاجلة، وهي كتابة مذكرة أملاها عليها رئيسها في العمل تعلن رسمياً تفكيك الاتحاد السوفييتي. ومن المعروف، كما يقول «كونور أوكليري» في كتابه «موسكو في 25 ديسمبر 1991... اليوم الأخير للاتحاد السوفييتي»، والذي نعرضه هنا، أن جورباتشوف، الزعيم السوفييتي المفضل لدى الغرب، بسبب دوره في فتح باب الحرية أمام شعوب أوروبا الشرقية، كان قد خسر معركته في نهاية فترة حكمه أمام يلتسين، الذي تفوق عليه في المناورة وأعلن تفكك الاتحاد السوفييتي وأصدر مرسوماً بحل الحزب الشيوعي الذي كان جورباتشوف أمينه العام. ويقول المؤلف الذي كان يعمل مراسلاً في موسكو وقت سقوط الاتحاد السوفييتي، إنه رغم الروايات المثيرة والمدهشة التي كتبت عن نهاية الحرب الباردة، فإن الرواية الخاصة بالأيام الأخيرة في حياة الاتحاد السوفييتي ذاته لم تحظ بما تستحقه من اهتمام، ثم يجيب على السؤال المتداول: ما الذي أدى إلى انهيار الاتحاد السوفييتي؟ بالقول إن برنامج حرب النجوم الذي بدأه ريجان، وسخر منه اليسار الأميركي والأوروبي في ذلك الوقت، كان سبباً في استنفاد جزء كبير من موارد الاتحاد السوفييتي الذي كان اقتصاده ينوء بالعديد من المشكلات؛ وإن ذلك الاستنزاف أدى إلى تدني الروح المعنوية للقائمين على المجمع الصناعي العسكري السوفييتي الذي كان نفوذه سبباً في إبقاء جمهوريات آسيا الوسطى ضمن الاتحاد. ويضيف المؤلف سبباً آخر هو أن مستويات المعيشة في ذلك الوقت، في الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية، كانت قد انخفضت كثيراً عن مثيلاتها في الغرب، وهو ما قوض الحجة الرئيسية للنظرية الشيوعية، وهي أن تطبيقها سوف يرفع مستويات معيشة السواد الأعظم من المواطنين. أما سياستا «الجلاسنوست» و«الـبيروسترويكا» اللتان كان يؤمل أن يؤدي تطبيقهما لإنقاذ الاتحاد السوفييتي؛ فلم تكونا سوى نقطتي بدء وليس وجهتي وصول نهائيتين، على حد وصف المؤلف الذي يضيف أسباباً أخرى منها تفشي الفساد، وعدم الكفاءة في إدارة شؤون الدولة، وانعدام المرونة لدى قياداتها... وهو ما كان يؤكد في مجمله أن الأحوال لم تعد قابلة للإصلاح، وأن الانهيار هو المآل الحتمي. ويتناول المؤلف السياسات والمؤامرات الداخلية في موسكو، والصراع المرير الذي دار بين جورباتشوف ويلتسين، الرجلين اللذين كان محتماً أن يتحولا إلى عدوين لدودين بسبب تناقض مصالحهما واختلاف شخصيتيهما. ويقول المؤلف إن العداوة بين الرجلين بدأت عام 1986 بعد أن أطاح جورباتشوف بيلتسين من عضوية المكتب السياسي للحزب، ثم تجددت عندما أعلن جورباتشوف سياساته الإصلاحية التي عارضها كثيرون، وكانوا يرون أنها ستفكك الاتحاد السوفييتي، وأن جورباتشوف اقترحهما أصلاً لنيل رضا الغرب. في ذلك الوقت أدرك يلتسين أن الوقت حان للانتقام من غريمه، فعارضه علناً، وشجع هو وقادة الحركة الديمقراطية المناوئة لجورباتشوف الميول الانفصالية للجمهوريات السوفييتية. ثم وجد فرصته الذهبية بعد الانقلاب الذي وقع ضد جورباتشوف عام 1991 وصراعات القوى التي أثارها رغم فشله بسبب ضعف التأييد الشعبي، وهي صراعات انتهت بأن وجد جورباتشوف نفسه شبه سجين في منزل صيفي بمنتجع فوروس الواقع في شبه جزيرة القرم. وينهي المؤلف كتابه بالقول إن التصرف الجيوبوليتيكي الأخرق الأخير في حياة الاتحاد السوفييتي حدث قبل نهاية1991 عندما كتب جورباتشوف بنفسه خطاب وداعه الأخير قبل تركه السلطة. وبينما كان يكتب ذلك الخطاب كان يلتسين الذي انتخب رئيساً لروسيا الاتحادية يرسل حرسه لإخلاء عائلة جورباتشوف من المنزل الصيفي المملوك للحكومة، ثم يكلف رجلين بالصعود إلى أعلى سقف المنزل لإنزال علم الاتحاد السوفييتي قبل إجراء مراسم تسليم الحقيبة السوداء التي تحتوي الشيفرة النووية من فريق جورباتشوف لفريق يلتسين. في تلك اللحظة، كانت الكراهية بين الرجلين قد وصلت مداها لدرجة أنهما لم يجريا عملية التسليم والتسلم وجهاً لوجه. سعيد كامل الكتاب: موسكو في 25 ديسمبر 1991... اليوم الأخير للاتحاد السوفييتي المؤلف: كونور أوكليري الناشر: بنتام برس تاريخ النشر: 2012