نتائج ما يسمى «الربيع العربي» يمكن إيجازها بصورة سريعة في التدهور المريع للأوضاع الاقتصادية والأمنية وما نجم عنها من تراجع في الأداء الاقتصادي لكافة القطاعات دون استثناء وارتفاع معدلات البطالة وإحجام الاستثمارات المحلية والأجنبية. أما في الجوانب المالية، فإن هذه البلدان، باستثناء ليبيا النفطية، فإنها على شفا الإفلاس، حيث يوجد انخفاض حاد في الاحتياطيات والأصول الأجنبية وتدهور في أسواق المال، مما يدفع العاملين في الخارج، وبالأخص في دول مجلس التعاون الخليجي إلى زيادة تحويلاتهم المالية لبلدان «الربيع» للمساهمة في توفير احتياجات عائلاتهم بسبب التضخم وارتفاع الأسعار، وهو ما ساعد على عدم الانهيار التام للأوضاع المالية هناك. وللأسف، فإن الأنظمة الجديدة لا تريد النظر في الأسباب الحقيقية لهذا التدهور وتعمل على معالجته بصورة مهنية من خلال إزالة الترسبات والتداعيات، وإنما تعمد إلى تبرير ذلك من خلال الإيحاء بأن هناك مؤامرات خارجية تسعى إلى إسقاط أنظمة «الربيع». ولنأخذ على سبيل المثال التطورات الأخيرة في مصر والتي بدأت الأوضاع العامة فيها تستقر بعد الانتخابات الرئاسية، لكن الإجراءات الأخيرة قلبت الأوضاع رأساً على عقب مرة أخرى، وذلك بعد صدور الإعلان الدستوري وما أعقبه من احتجاجات أعادت الأمور إلى المربع الأول، اقتصادياً وسياسياً. وتبدو بعض الاتهامات مضحكة للغاية، فإذا كان سبب هذه الاحتجاجات هو الإعلان الدستوري، فمن الذي أوحى بإصدار هذا الإعلان؟ أم أن المرشد العام وحزبه هم من أوحوا بذلك. وبعد أن لم تلق مثل تلك الاتهامات ردود فعل وتجاوب من قبل الشعب المصري، وجهت اتهامات ساذجة لأوباما، بالقول إنه أوحى للقيادة المصرية بالسماح لها باتخاذ أية إجراءات حتى ولو كانت تجاوز القضاة إذا ما ساهمت في التوسط بين «حماس» و«إسرائيل» أثناء الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على غزة. وفي المقابل ومنذ البداية أبدت كافة دول مجلس التعاون الخليجي استعدادها لمساعدة هذه البلدان اقتصادياً من خلال دعم القدرات المالية لمصارفها المركزية وزيادة استثماراتها في بلدان «الربيع»، وقدمت دعماً أخوياً، وذلك رغم أن البيئة الاستثمارية طاردة وتحمل الكثير من المخاطر، لكن حرص دول المجلس على استقرار هذه البلدان والذي يدعم الاستقرار الإقليمي الذي تسعى إليه دول التعاون ساهم في الاستعداد لتحمل مخاطر استثمارية كبيرة عبر ضخ المزيد من الأموال والمساعدات. هذا مع العلم أيضاً أن واشنطن والتي يهمها استقرار مصر ساعدت في التعجيل بقرض صندوق النقد الدولي (4.8 مليار دولار) رغم وقوف السلفيين ضد اتفاقية القرض لأسباب غير مهنية. ومرة أخرى، فإن ذلك يعتبر هروباً للأمام ذريعاً في معالجة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية وتدهور البنية الأساسية والخدمية، والتي لا تزال مستمرة وتزيد من معانات الناس اليومية، مما يتطلب إعادة النظر في كيفية معالجة هذه التداعيات بصورة مهنية واقتلاع الأشواك التي برزت مع حلول «الربيع العربي» المزعوم قبل أن تفقد هذه الأنظمة الجديدة ما تبقى لها من ماء الوجه وقبل أن تتدنى مستويات المعيشة إلى درجات قياسية وتزداد أعداد الفقراء جراء التدهور الاقتصادي في هذه البلدان.