كل الأخبار والتصريحات والتنبؤات تكاد تتفق على أن الأوضاع في مصر، ذلك البلد العربي العزيز، تتدهور كل يوم بل كل ساعة، وأن «الربيع العربي» فيها يتحول بشكل مأساوي إلى صيف شديد الحرارة، وأن الثورة التي صنعها الشباب المصري ومهرها بالدم الغالي توشك أن تصبح ردة أشد وطأة على مستقبل وحاضر مصر... ردة نحو الديكتاتورية. ويكفي أن يلقي المرء نظرة على عناوين الأخبار المصرية، وسيتأكد أن من صنع الأزمة هو المرسوم الرئاسي في يوم الثاني والعشرين من نوفمبر والذي اعتدى على الدستور وعلى العرف المستقر في العالم الديمقراطي حول الفصل بين السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية. هذا المرسوم وما تضمنه من إلغاء لسلطة القضاء مثل خطوة ستقود إلى أن يصبح الحزب الحاكم المتسلط على جهاز الدولة المصرية وسينفذ برنامجه وحلمه القديم منذ أن أسس البنا جماعة «الإخوان المسلمين». لكن التاريخ يذكّرنا بأن هذه الجماعة في سعيها للسلطة قد مارست العنف والقتل والاغتيال، وخلق البنّا ما يعرف بالجهاز السري الذي كانت مهمته ولا تزال أن يغتال خصومه السياسيين ومن أبرزهم رئيس الوزراء النقراشي وسلفه إبراهيم عبدالهادي... إلخ. وليس هناك ضرورة للإطالة في نشر تاريخ هذه الجماعة، بل دورها في إدخال العنف والقتل في الحياة السياسية. ويعلم السودانيون من تجربتهم الحالية مع حكم «الإخوان» المسلمين المسمى بـ«الإنقاذ» كيف أنهم قد قادوا السودان في دروب مظلمة، وأوصلوا الشعب إلى حالة من الفقر ومارسوا ضده القهر والإرهاب وحولوا الدولة إلى دولة لحزبهم. الرئيس مرسي يقول إنه متخوف من أن يحكم القضاء بعدم شرعية الدستور المقترح والذي يسيطر «الإخوان» على لجنته التأسيسية، والمعارضة الشعبية الواسعة تقول إن «الإخوان» انفردوا بوضع الدستور. قرأت تصريحاً لرئيس وزراء حكومة «الإخوان» قال فيه أن الحزب تنازل عن بعض البنود التي أعادت إشعال ثورة «الربيع العربي»، وأنه يدعو زعماء المعارضة للاجتماع به، وهو حريص على كتابة الدستور بشكل قومي، لكنه في ذات الوقت حريص على إجراء الاستفتاء يوم السبت القادم. ومن خلال تجربتنا مع حكم «الإخوان» في السودان، أوكد أن الحزب لن يتنازل عن مشروعه، فهم لا يعرفون ضرورة التوافق والتنازل والتعامل بشرف وصدق مع معارضيهم السياسيين، فالعقلية واحدة وهم تربوا على الاعتقاد بأنهم أصحاب رسالة وهم أصحاب الإسلام الصحيح، وغيرهم وعملاء للغرب! كل المؤشرات تشير إلى أن الأزمة السياسية في مصر ستتصاعد والمواجهة العنيفة مع المعارضة وشيكة. والخطر في مصر، إذا أصر «الإخوان» على تمرير دستورهم وإعادة الحياة لبرلمانهم المحلول بأمر القضاء واستمر المهووسون الدينيون في الاعتداء على الأقباط وإشعال الحرائق في كنائسهم، فستتحول الأزمة السياسية في مصر إلى حرب أهلية... وهو أمر لا يرجوه عربي صادق لمصر قلب العروبة النابض.