مهم جداً أن يكون للدولة مشروعها الوطني للتوطين، وقد جاءت مبادرة «أبشر» لتعلن أن العام القادم عام التوطين والنية الحقيقية للتوطين ولحل مشكلة ما زالت بعض آثارها متواصلة. فسوق العمل هو مصهر التجربة التنموية، وهو وحده القادر على اجتذاب الأفضل، وعلى تمكين خريجي الجامعة من الوصول إلى وظائف تناسب قدراتهم وتعزز كفاءاتهم. لذلك لم يكن الهدف هو التوطين، بقدر ما كان التأكيد على تطوير الكفاءات التي لابد من جعلها في مقدمات الأهداف التنموية. فبعض ما يتداول حول الشباب المواطنين بوصفهم أشخاصاً مدللين وغير قادرين على إنجاز ما يوكل إليهم من مهام، تخلو من الحقيقة وتجانب الصواب، بل فيها الكثير من الإجحاف والترويج لصورة استساغها البعض رغبةً منه في الحفاظ على مكانه. فالمواطن الذي يعمل اليوم في كل المجالات، يصعب أن نلصق به أوصافاً جاهزة تعكس نية ضمنية ضد التوطين. وبعيداً عن القوالب الجاهزة، فالتوطين مسألة أمن قومي وبعد استراتيجي هام لاستقرار الدولة والحفاظ على تطورها الاقتصادي. لذا كان من الأهمية بمكان أن يتم تغيير منظومة التعليم بكاملها، بحيث تصب في مصلحة تطوير عقلية الشباب، والتأكيد على أهمية العمل والكفاءة، ولكي يتم التخطيط المتكامل بين كافة الجهات في كيفية صياغة مناهج تعليمية تصب أخيراً في مصلحة العلم والعمل في آن واحد. والأهم أن يتم الانتقال من مرحلة الاقتصاد الريعي الذي تتكفل فيه الدولة بكافة حاجيات مواطنيها، لدخول مرحلة جديدة في البناء والتفكير على نحو يسهم في ترسيخ برامج التنمية المستدامة على جميع المستويات. وليس في الأمر محاولة اجتراح للمستحيل ولا لزراعة عقول جديدة مصنعة في اليابان، إنها قضية تخطيط منظم يقوم وفق أرقام وشواهد ومتطلبات يحتاجها الوطن مستقبلًا. ومن المهم جداً أن يكون المخطط صاحبَ إيمان أصيل بحقيقة أن أبناء الوطن جديرون بالتعليم والتدريب المتميزين وبوضعهم في مواقع إنتاجية فاعلة، صغيرة أم كبيرة... المهم أن يتم استثمار هذه الطاقات إلى أبعد مدى ممكن بحيث تكون مصباتها في مسارها الفعلي الذي يحتاجه سوق العمل الوطني. لكن الخوف على «أبشر» إنما هو من بعض الذين لا يرون وجود حاجة ماسة لتنفيذ مبادرة بهذا القدر من الأهمية، وفي أقرب وقت ممكن. وهنا تكمن أهمية أن يكون لمنفذي المشروع إيمانهم العميق بأن سوق العمل في حاجة إلى أبنائه، وأنه آن الأوان لاستثمار طاقات شابة استنفدت أحلامها وطموحاتها في الأماكن الخطأ. إن «أبشر» هي بشارة الخير وإطلالة الغيث في تحقيق الأحلام وبناء الامتيازات التي تتحول إلى واقع، عبر غرس نزرعه ونرعاه ليكون في المستقبل عامل ازدهار ونجاحاً دائماً لهذا الوطن. إن الوطن يحتاج إلى أبنائه، حتى وإن كان الآخرون جاهزين وقادرين على القيام ببعض الأدوار والمهمات، لكن نجاح الأوطان لا يأتي إلا بأيدي أبنائها. ولا شك أن «أبشر» هي بكل تأكيد طوق النجاة الذي وصل في وقت نحتاجه، ونحتاج فيه لأن يكون البناء بسواعد لا تؤمن إلا بدولة الإمارات، ودولة الإمارات وحدها.