في إطار حل معضلة الهاوية المالية التي تتربص بأميركا والوصول إلى صفقة بشأنها، من المنتظر أن يتبني الكونجرس خطة شاملة لإصلاح النظام الضريبي خلال السنة المقبلة. وللوهلة الأولى تبدو فوائد الإصلاح واضحة للجميع، بحيث يمكن لإلغاء الثغرات الضريبية الموجودة والحد من الإعفاءات التي تستفيد منها بعض القطاعات وجماعات الضغط أن يخفف العبء على الطبقة الوسطى، والتخلص من الكم الهائل من الأوراق والبيروقراطية الثقيلة واستخلاص إيرادات أكثر للحكومة، ومن ثم التقليص من العجز الذي يهدد الموازنة الفيدرالية. لكن مع الأسف ليست الأمور بهذه البساطة، فمع أن الإصلاح هدف نبيل في حد ذاته، إلا أنه في حالة الإصلاح الضريبي ينطوي على صعوبات اقتصادية وسياسية كبرى قد تعرقل مسيرته وتفشل أهدافه، والحقيقة أن ما يزيد من صعوبة الوضع، هي بعض الأفكار المغلوطة التي تحيط بالواقع الضريبي في الولايات المتحدة والنقاش غير السليم الذي يلف الموضوع. فبسبب ما قاله الملياردير «وارين بافت» من أنه يدفع نسبة ضرائب أقل مما تدفعه سكرتيرته، يعتقد العديد من الناس أن نسبة الضرائب المفروضة على الأغنياء أقل من نظيرتها التي تدفعها الطبقة الوسطى، أو الفقراء، وأن الطبقة العاملة هي من تدفع حصة الأسد من الضرائب على المستوى الوطني، والحال كما يوضح ذلك مكتب الموازنة التابع للكونجرس ساهمت ثلث العائلات الأميركية في أعلى الهرم الاجتماعي والاقتصادي بحوالي ثلثي المداخيل الفيدرالية من الضرائب في عام 2009، وهو آخر عام تسجل فيه نسبة الضرائب ودافعيها، بحيث سدد تلك الشريحة من المجتمع الأميركي 23.2 في المئة كنسبة ضريبة، فيما الشريحة المتدنية في المجتمع الأميركي دفعت نسباً أقل حسب الدخل وصولاً إلى 1 في المئة بالنسبة لمن هم في القاع. ومع أن البعض يطالب بإخضاع الأغنياء لمزيد من الضرائب وزيادة النسبة المفروضة عليهم، إلا أننا لا نستطيع الضغط عليهم بدعوى إعادة التوازن لمالية الدولة، وهنا يأتي الحديث عن الثغرات الضريبية، فبإنهاء عدد من الإعفاءات والخصومات التي تستفيد منها قطاعات معينة يمكن للكونجرس جمع قدر مهم من الأموال على الأقل من الناحية النظرية. لكن هناك مشكلة أساسية تواجه هذا المسعى، إذ إزاء كل إعفاء هناك مصالح متجذرة ستدافع عنه وأناس متضررون سيرفضون الأمر، وعلى سبيل المثال تكلف الخصومات الضريبية المفروضة على فوائد الرهون العقارية ما يقارب 80 مليار دولار تخسرها الحكومة الفيدرالية سنوياً بسبب هذا التقليص الضريبي، إلا أنه أيضاً كان ضرورياً لتشجيع الأميركيين على امتلاك المنازل، ولن يجازف السياسيون بإغضاب الملايين من دافعي الضرائب الذين يستفيدون من الخصم الضريبي. وقد يلجأ المشرعون لتقليل الخسائر السياسية إلى الحد من الخصم الضريبي على أصحاب الدخول العالية، لكن حتى هذه الخطوة المتواضعة من شأنها إلحاق الضرر بالسوق العقاري وإثارة غضب ليس فقط دافعي الضرائب، بل أيضاً الوكلاء العقاريين. وعمال البناء لما يخلفه القرار من ركود في قطاع الإنشاءات، والأمر نفسه ينطبق على الإعفاءات الضريبية على المساهمات الخيرية والتبرعات المالية، التي تستفيد منها الكنائس وغيرها من المنظمات غير الربحية، ولو تقدمنا في مجال الثغرات المراد سدها في النظام الضريبي لعثرنا على قصص عديدة مشابهة ستثير معارضة المستفيدين وتخلق إشكالات كبرى. لكن رغم هذه الصعوبات المرتبطة بالإصلاح الضريبي هناك سابقة تاريخية عندما صادق الكونجرس في عام 1986 على القانون الذي ألغى بموجبه عدداً من الإعفاءات الضريبية فيما خفض النسبة المفروضة وبسط النظام، ولئن كان القانون يُثبت أن عملية الإصلاح ممكنة، إلا أن الظروف وقتها كانت مختلفة عما هي عليه الآن. أولاً تشكل وقتها نوع من الإجماع السياسي ردم الهوة الأيديولوجية بين السياسيين في واشنطن، حيث ساند الإصلاح مشرعون من أقصى «اليمين» إلى أقصى اليسار، وتبلور اتفاق عام بين أطياف اللون السياسي الأميركي مفاده أنه لم يعد ممكناً الاستمرار في مدونة ضريبية تخدم مصلحة الأفراد والشركات الذين يتلاعبون بالنظام بدلاً من تحفيز النمو الاقتصادي وخلق الوظائف، بالإضافة إلى ذلك أبدى زعماء المرحلة تحمساً كبيراً لتمرير القانون لا يبدو موجوداً حالياً في ظل الاستقطاب الأيديولوجي بين «الديمقراطيين» و«الجمهوريين»، فقد كان «ريجان» من أشد المدافعين عن الإصلاح الضريبي وذلك منذ الفترة التي كان فيها ممثلا يدفع نسبة عالية من الضرائب على الدخل، وهو الحماس أيضاً الذي أبداه قادة الكونجرس من الحزبين، وحتى جماعات الضغط التي سعت إلى إجهاض المحاولة لم تتمكن من ذلك بسبب إصرار ريجان الذي ناور مجدداً لإعادة إدراج الإصلاح في أجندة المناقشات، هذه الظروف المساعدة ليست موجودة اليوم بالنظر إلى القوة التي باتت تحوزها جماعات الضغط المختلفة التي تمثل بدورها جماعات المصالح النافذة في واشنطن والمدافعة عن قطاعات اقتصادية، هذا بالإضافة إلى الصراع السياسي المستحكم بين «الجمهوريين» و«الديمقراطيين»، فلماذا يعتقد إذن العديد من المشرعين أنهم قادرون على تمرير قانون للإصلاح الضريبي في 2013 بالنظر إلى الصعوبات المذكورة؟ الجواب يكمن في أن عدداً قليلاً منهم عاش التجربة القاسية لتمرير قانون 1986، فمن بين 435 مشرعاً في مجلس النواب للسنة المقبلة فقط 21 منهم كانوا في الكونجرس عام 1986، ومع أن نسبة أكبر منهم كانت موجودة في مجلس الشيوخ، إلا أنه لا زعيم الأغلبية «الديمقراطية» هاري ريد في مجلس الشيوخ ولا زعيم الأقلية «الجمهورية» ميتش ماكونيل كانا موجودين في كونجرس 1986. جون بيتني أستاذ السياسة الأميركية بكلية كليرمونت ماكينا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان سيانس مونيتور»