هل يفكر الزعماء السياسيون الإسرائيليون في التكلفة الباهظة التي ستتحملها إسرائيل في حال انتهى احتمال حل الدولتين؟ يبدو أنهم لا يفعلون. فهذا الأسبوع، اقترح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مشاريع استيطانية يهودية جديدة في القدس، وحولها من شأنها أن تقسم الضفة الغربية فعلياً إلى شطرين. كما من شأنها أن تقطع التواصل الجغرافي بين القدس وبقية الضفة الغربية. وفي حال تنفيذها، ستجعل هذه المشاريع من قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافية وقابلة للحياة إلى جانب إسرائيل أمراً مستحيلاً. بعبارة أخرى، يمكن لهذه المشاريع الاستيطانية أن تدفن بشكل نهائي، أي احتمال لحل الدولتين، هذا علماً بأن موت حل الدولتين يهدد مستقبل دولة يهودية ديمقراطية. وعلى نحو مثير للسخرية، فقد كان القصد من دعوة نتنياهو إلى مستوطنات جديدة أن يكون رداً على سعي الحكومة الفلسطينية وراء تصويت من قبل الجمعية العامة عزز فكرة حل الدولتين. وقد سعى رئيس السلطة الفلسطينية وراء التصويت، الذي رفع فلسطين إلى وضع دولة "مراقبة"، من أجل تعزيز وتقوية موقفه أمام منافسته "حماس" في غزة التي ترفض الاعتراف بإسرائيل. ولكن نتنياهو، الذي كان يسعى لاستمالة قاعدته اليمينية المتشددة قبل انتخابات يناير، لا يبدو أنه فهم تلك السخرية. وبدلًا من ذلك، دعا إلى بناء مستوطنة جديدة مثير للجدل بشكل خاص شرق القدس، على أرض تعرف بالمنطقة "إي 1". وقد كان يعلم أن البناء على هذه الأرض تحديداً سيمثل تخطياً لخط أحمر بالنسبة للفلسطينيين وسيُغضب حلفاءه الغربيين الأكثر قرباً، لأنه سيستبعد أي إمكانية لجعل القدس الشرقية العربية عاصمة للدولة الفلسطينية المقبلة. وبدلًا من ذلك، أثار مشروع "إي 1" انتقادات شديدة من المسؤولين الأوروبيين والأميركيين (مثلما أثار من قبل انتقادات مماثلة من إدارة بوش عندما اقتُرح للمرة الأولى). نتنياهو اختار استفزاز أوباما بعد وقت قصير على تصويت الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل ضد منح الفلسطينيين وضع مراقب - لتكون بذلك واحدة من تسعة بلدان فقط فعلت ذلك. غير أن قرار الزعيم الإسرائيلي لم يُضعف مصالح بلده الاستراتيجية ويقوِ "حماس" على منافستها في الضفة الغربية فحسب، وإنما زاد أيضاً من إضعاف مكانة أوباما في الشرق الأوسط. هذه الخطوة تنطوي على عيب وخطر، وهذا ما عبَّر عنه بشكل واضح وبليغ رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت ضمن خطاب إلى "منتدى السياسة الإسرائيلية" في نيويورك يوم الاثنين الماضي حين قال: "كنتُ أعتقد أن أوباما يستحق كلمة شكر وامتنان … ولذلك فقد صُدمت جداً، على غرار معظم البلدان في العالم، لقيام الحكومة الإسرائيلية في صباح اليوم التالي بالشيء الذي من المؤكد أنه يسيء إلى صناع السياسات الأميركيين" – الدعوة إلى البناء في منطقة "إي 1". كما جادل أولمرت بأن تصويت الأمم المتحدة على الوضع الفلسطيني، يصب في مصلحة إسرائيل الاستراتيجية، إذ قال: "في نهاية المطاف، نحن نصلي من أجل زوال خطر حل دولة لشعبين من الأجندة... ولذلك، فعندما وافقت الجمعية العامة على فكرة دولة فلسطينية، فكرتُ في أن هذا هو بالضبط ما نريده". ولكن أولمرت، وهو سياسي من "يمين الوسط"، ليست لديه أية أوهام بشأن صعوبة بلوغ حل الدولتين. فخلال المفاوضات مع عباس في 2008، اقترح مخططَ سلام اعتُبر الأكثر جرأة مقارنة مع أي زعيم إسرائيلي آخر. مخطط يقول أولمرت: "إنه لم يُرفض، ولكنه لم يُقبل". أولمرت قال إنه كان "يصلي" من أجل أن تقوم إدارة أوباما "بالبدء من حيث توقفنا"، ولكن فريق أوباما انتهج طريقاً مختلفاً، مثلما فعلت حكومات إسرائيلية لاحقة أكثر تشدداً. وعلاوة على ذلك، رفض عباس خلال العامين الماضيين التفاوض، ما لم تفرض إسرائيل تجميداً تاماً للاستيطان اليهودي. ومما لاشك فيه أن الفلسطينيين أيضاً يتحملون نصيباً مهماً من المسؤولية عن فشل المفاوضات. ذلك أن قرار عرفات الحوار والقتال في آن واحد، خلال الانتفاضة الثانية، التي بدأت في 2000، أقنع العديد من الإسرائيليين بأن السلام مستحيل (ويقول أولمرت إنه لم يصدق أبداً أن عرفات كان يرغب في صنع السلام، خلافاً لعباس الذي يرى أنه يرغب فيه). وعلاوة على ذلك، فإن تولي حركة "حماس" الحكم في غزة، وإطلاقها الصواريخ على المدن والبلدان الإسرائيلية، جعل معظم الإسرائيليين يترددون في التفكير في عمليات انسحاب إضافية من الضفة الغربية. كما أن الانتفاضات العربية في المنطقة زادت من المخاوف الإسرائيلية. غير أنه، ومثلما يقر بذلك "أولمرت"، فإن نهاية المفاوضات حول دولتين تضع إسرائيل أمام مستقبل يصعب تصوره: حكم دائم على ملايين الفلسطينيين المستائين. وإذا منحتهم إسرائيل التصويت، فإن معدل ولاداتهم المرتفع سيضمن لهم في نهاية المطاف التفوق على اليهود عددياً في إسرائيل الكبرى. أما البديل الآخر، أي الحكم بالقوة على أغلبية من السكان تعاني التهميش والإقصاء، فسيحوِّل إسرائيل إلى دولة ميز عنصري. وعلى ما يبدو، فإن نتنياهو يأمل أن يتمكن من إقناع الفلسطينيين بقبول دولة بديلة تتألف من كانتونات غير متصلة تربط بينها الأنفاق أو الجسور، وتفصلها المستوطنات الإسرائيلية عن القدس. كما يأمل العديد من الإسرائيليين أن يستطيعوا تفويض المسؤولية عن غزة المكتظة بالسكان إلى مصر. غير أن كلا الحلمين ينمان عن الوهم. مخطط إسرائيل لمنطقة "إي.1" يكشف عن السؤال المقلق والصعب، الذي لا يرغب أحد في إسرائيل أو الولايات المتحدة مواجهته: ما هي عواقب موت حل الدولتين؟ الواقع أنه إذا لم يتم إسقاط مخططات "إي.1"، واستئناف المفاوضات، فإننا سنبدأ قريباً جداً على الأرجح في معرفة الجواب. --------- ترودي روبين محللة سياسية أميركية --------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"