ربما يكون الشيء الأكثر إخافة بشأن سوريا، من وجهة النظر الغربية، هو الهوة بين السيناريوهات المرعبة التي يناقشها المسؤولون الكبار بشأن ما قد يحدث في المرحلة التالية واستراتيجياتهم الضعيفة لتجنبها. فداخل إدارة أوباما، باتت سوريا تشبَّه اليوم من قبل البعض بصومال ثانية – والفرق الوحيد هو أنها تقع في قلب الشرق الأوسط وتمتلك ثالث أكبر مخزون من الأسلحة الكيماوية في العالم. فقد تحدث أحد المسؤولين مؤخراً عن مستقبل قريب تتطور فيه الحرب الأهلية الحالية الدائرة بين جانبين إلى حرب عامة، لا تبقي ولا تذر، فكيف يمكن وقف ذلك إذن؟ الولايات المتحدة وفرنسا، إلى جانب بعض الحلفاء العرب والأوروبيين، يعقدون مؤتمراً دبلوماسياً آخر هذا الأسبوع في مراكش بالمغرب بهدف دعم وتقوية الائتلاف الوطني السوري، الذي أنشئ الشهر الماضي. ويتوقع أن تقوم إدارة أوباما بالاعتراف به كحكومة شرعية لسوريا. غير ألا أحد مقتنع بأن هذا سيمنع حدوث السيناريوهات الكابوسية. وأحد أسباب ذلك أن الائتلاف لم يقم روابط قوية مع عدد من الوحدات المقاتلة التابعة للثوار عبر البلاد، رغم أن تشكيل مجلس عسكري ثوري جديد خلال عطلة نهاية الأسبوع يُعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح. وعلاوة على ذلك، فإن الائتلاف يحصل على المال من فرنسا وبعض الحكومات الأخرى؛ ولكن محامي وزارة الخارجية الأميركية يرون أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تمول منظمات الثوار مباشرة. وبالمقابل، تتلقى بعض الوحدات المحسوبة على القاعدة الأموال من بعض الدول. رؤية الولايات المتحدة لكيفية نجاح استراتيجيتها تتوقف على سلسلة غريبة من الأحداث المتتالية بعيدة الاحتمال: أن يسيطر الائتلاف على معظم قوات الثوار. وبعد ذلك ستُرغِم روسيا أو العلويون المنشقون عن الأسد على التنحي جانباً. ثم ستكون هناك مفاوضات تفضي إلى اتفاق بشأن حكومة انتقالية. وهناك سيناريو آخر أكثر احتمالاً، هو أن الغرب سيكون محظوظاً، وأن نظام الأسد سينهار قريباً في دمشق. ووسط الفراغ الناتج عن ذلك، سيحصل الائتلاف على الاعتراف من العالم الخارجي، وستتبع معظم قوات الثوار وسوريا الطريقَ الوعر الذي سارت فيه ليبيا، حيث تتعايش حكومة ضعيفة مع مجموعة من المليشيات المختلفة – وبعضها متحالف مع القاعدة. ولكن الفرق هو أن أي انتشار للإرهابيين والأسلحة لن يؤثر على مالي، وإنما على إسرائيل وتركيا والعراق والأردن. السبب الرئيسي لكون ذلك مستبعد الحدوث، هو أن السيناريوهات الكابوسية بالنسبة للغرب لا تبدو بالنسبة للأسد وجزء كبير من النخبة العلوية – ولداعمه الرئيسي إيران – غير جذابة جداً، ذلك أن الأقلية الحاكمة ستخلص إلى أن التحصن بأحد الجيوب والمقاومة، أفضل من مواجهة خطر الإبادة على أيدي السُنة الراغبين في الانتقام؛ بينما سترى إيران الشيعية أن لعب دور المفسد في سوريا التي تعمها الفوضى أفضل من رؤية حليف استراتيجي يتحول إلى الكتلة السنية المعارضة. ولكن، إذا نحت حرب سوريا هذا المنحى الأكثر احتمالًا، فكيف ستحمي الولايات المتحدة وحلفاؤها مصالحهم؟ المسؤولون الأميركيون يبدو أنهم لا يملكون مخططاً، عدا الأمل في أن السيناريوهات التي يفكرون فيها لن تحدث. والواقع أن الخطوة الأكثر بداهة ستكون هي الحرص على أن تكون القوات التي يفضلها الغرب مسلحةً ومجهزةً على الأقل قدر تسليح وتجهيز العلويين والجهاديين. والحال أن الولايات المتحدة في الوقت الراهن تعمل على ضمان العكس تماماً، عبر حرمانها الثوار العلمانيين من المساعدات العسكرية حتى في وقت تعمل فيه بعض الحكومات الإسلامية على دعم قواتها المفضلة. --------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"