تصويت التاسع والعشرين من نوفمبر 2012 الذي اعترف بفلسطين في الأمم المتحدة دولة غير عضو هو قرار تاريخي بكل المقاييس. وقد اعتُبر كذلك، سواء داخل منظمة الأمم المتحدة، أو في أوساط الشعب الفلسطيني، الذي احتفل بهذا الحدث بـ"حماس" كبير. وبالطبع، فمن الناحية العملية لن يغير هذا التصويت شيئاً على الأرض: ذلك أن العدد نفسه من الجنود ونقاط التفتيش الإسرائيلية سيبقى؛ والاحتلال لن يتوقف على الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث مازالت إسرائيل تسيطر على الأراضي والشعب الذي يعيش فيها؛ بل إن حتى الرئيس الفلسطيني يعتمد على التراخيص الإسرائيلية من أجل تنقلاته خارج فلسطين! وكرد فعل غاضب، قررت الحكومة الإسرائيلية تكثيف الاحتلال من خلال إعلانها عن بناء نحو 3 آلاف منزل إضافي في القدس الشرقية والضفة الغربية. كما قررت عدم إعادة المبالغ التي تجمعها لحساب السلطة الفلسطينية! والحال أن الأمر يتعلق بنصر دبلوماسي وسياسي لعباس على المستوى الدولي (ذلك أن أغلبية ساحقة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة صوتت لمصلحته) وعلى المستوى الفلسطيني الداخلي (على اعتبار أن حركة حماس أيدت هذه الخطوة). وبالتالي، فهي خطوة مهمة نحو الاستقلال الحقيقي. وهذا أمر له دلالة كبيرة: ذلك أن الأمر لم يعد يتعلق اليوم بأراضٍ محتلة، وإنما بدولة محتلة. ومما لا شك فيه أن التاريخ الفلسطيني، سيكون فيه ما قبل التاسع والعشرين من نوفمبر 2012 وما بعده. التصويت في الجمعية العامة على رفع وضع فلسطين إلى دولة مراقبة غير عضو أظهر عزلة إسرائيل والولايات المتحدة؛ ذلك أن تسع دول فقط صوتت ضد القرار (هي الولايات المتحدة، وإسرائيل، وكندا، وجمهورية التشيك، وبنما، وميكرونيزيا، ونورو وبالو، وجزر مارشال، في حين صوتت 139 دولة لمصلحة لقرار، وهو ما يمثل الأغلبية الساحقة من بلدان وسكان العالم. هذا بينما اختارت 41 بلداً الامتناع عن التصويت. والواقع أن الولايات المتحدة باتت اليوم مهمشة وغير فعالة؛ واستمرار النزاع يمثل دليلاً على عجزها. فبعد أن كان يطالب بوقف احتلال الأراضي الفلسطينية، لم يصدر عن الرئيس الأميركي، أي رد فعل عندما قام نتنياهو بمواصلة الاحتلال متحدياً الرئيس الأميركي صراحة. والحال أن التزام الولايات المتحدة من أجل تسوية نهائية للنزاع أمر أساسي لا يمكن الاستغناء عنه. وهو ما يطرح عدداً من الأسئلة التي تفرض نفسها بقوة في هذا السياق: فهل ستتخلى واشنطن عن هذا الالتزام؟ وهل ستنتظر الانتخابات الإسرائيلية المقبلة المرتقبة في يناير 2013؟ وهل تأمل في تغير الأغلبية في إسرائيل؟ الواقع أنه من أجل ذلك سيتعين على واشنطن أن تنخرط في الحملة الانتخابية ضد نتنياهو بنفس القوة التي تدخل وانخرط بها هذا الأخير ضد أوباما في حملة الانتخابات الأميركية، لكن من غير الأكيد أنها ستفعل ذلك. والمشكلة في الوقت الراهن تكمن في أن اللاعبين الرئيسيين في هذا النزاع، لا يتمكنون من التوصل إلى اتفاق، وذلك نظراً في المقام الأول لعدم تناسب القوى. فالإسرائيليون يعتقدون أن الوقت يصب في مصلحتهم، ويراهنون على الأمر الواقع، وذلك على اعتبار أن كل يوم يمر يبعد أكثر احتمال قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة بسبب مواصلة الاحتلال. ويأمل نتنياهو أنه إذا قامت دولة فلسطينية يوماً ما، فلتكن الأصغر قدر الإمكان. وفي هذه الأثناء، يقف المجتمع الدولي متفرجاً وعاجزاً. فإذا كانت الولايات المتحدة غير نشطة وفعالة، فكذلك الأمر بالنسبة للقوى الأخرى، بغض النظر عن موقفها من النزاع. فالبلدان الأوروبية، والبلدان العربية، والبلدان الصاعدة، تندد وتستنكر وتحتج على السياسة الإسرائيلية، ولكنها لا تمارس أي ضغوط حقيقية على إسرائيل حتى تعيد الأراضي المحتلة. ونتيجة لذلك، تشعر إسرائيل بنوع من الحصانة والإفلات من العقاب. فهي قد تحتج على تعرضها للانتقاد، لكن أي قرار ملموس لا يُتخذ ضدها، أما التنديدات العديدة والمتكررة، فلا تعدو كونها مثالية أفلاطونية لا تتلوها أبداً أي تأثيرات. والواقع أن عباس يمكنه الاستفادة من هذا الأمر من أجل إعادة فتح المفاوضات من دون الشرط المتمثل في تجميد الاحتلال، حتى يرى ما إن كانت ثمة إرادة حقيقية في التفاوض من جانب إسرائيل. ومما لا شك فيه أنه ليس من مصلحة رئيس السلطة الفلسطينية في هذه المرحلة اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية؛ غير أنه يستطيع بالمقابل الترشح في المؤسسات الأخرى التابعة للأمم المتحدة من أجل تعزيز موقفه بطريقة سلمية. وعلى سبيل المثال، سيكون من الصعب على الولايات المتحدة وقف تمويل منظمة الصحة العالمية في حال انضمام فلسطين إليها. ولكن، هل يفتح هذا التصويت الطريق أمام مصالحة فلسطينية داخلية؟ الواقع أنه كانت ثمة الكثير جداً من الآمال المحبطة في الماضي حتى نعتبر ذلك من المسلمات، لكن أكبر تحد بالنسبة لعباس اليوم، هو الاستفادة من الدعم الكبير، الذي حصل عليه في التاسع والعشرين من نوفمبر، من أجل دفع المجتمع الدولي إلى ممارسة الضغط حقاً على إسرائيل.