لو تُرك الفلسطينيون للآبارتايد الإسرائيلي، فسيكون ذلك وصمة عار في جبين المجتمع الدولي الذي يسمح باضطهاد شعب على أرضه! ماذا ستفعل إسرائيل بالسكان الذين يعيشون على الأراضي التي فتحتها مؤخراً لمزيد من البناء الاستيطاني، موسعةً رقعة الاحتلال لتضم ما تبقى من الأراضي الفلسطينية ومعها تضم الفلسطينيين؟ مباشرة عقب التصويت الأممي مؤخراً، بأغلبية كاسحة في الجمعة العامة لصالح ترقية فلسطين إلى دولة غير عضو، أقدمت إسرائيل على معاقبة الفلسطينيين بحجز عائدات الضرائب المقدرة بحوالي مائة مليون دولار، وبالترخيص لخطط جديدة لإقامة المستوطنات على الأرضي المحتلة وتوسيع خريطة الاحتلال، لاسيما في القدس الشرقية، الأمر الذي سيجعل من إمكانية الدولة الفلسطينية حلماً بعيد المنال. ولو سُمح لإسرائيل بالاستمرار في نهجها الحالي، لن يكون هناك شيء اسمه الدولة الفلسطينية، لكن قسوة الرد الإسرائيلية على الخطوة الفلسطينية صدمت المجتمع الدولي الذي لم يتوقع أن يكون العقاب بهذا الحجم، ولم ينتظر من إسرائيل أن تسارع إلى إبداء احتقارها للجمعية العامة، والتجرؤ السافر على الإدارة الأميركية التي صوتت لصالح إسرائيل ووقفت إلى جانبها كما جرت العادة. وبقدر العقاب الإسرائيلي غير المبرر جاء رد الفعل الأوروبي قاسياً وغير متوقع من الدولة العبرية، حيث تعرضت إسرائيل لانتقادات لاذعة لم تتعود سماعها، كما أن العواصم الأوروبية استدعت سفراء إسرائيل وطلبت منهم توضيحاً بشأن إعلان بناء المستوطنات، هذا بالإضافة إلى إعلان بريطانيا وفرنسا عقد لقاء يوم الاثنين المقبل، وربما انضمت إليهما دول أوروبية أخرى، لمناقشة ما يمكن اتخاذه من إجراءات ضد إسرائيل رداً على استخفافها بالمجتمع الدولي والأمم المتحدة. ويبدو أن الحكومة الإسرائيلية صُدمت من امتناع بريطانيا وألمانيا عن التصويت في خروج غير متوقع عن مواقفهما السابقة، حيث كانت بريطانيا تابعاً تقليدياً للولايات المتحدة، فيما لم تكن ألمانيا لتجرؤ على التصويت ضد إسرائيل، هذا بالإضافة إلى العدد الكبير من الدول الأوروبية المهمة التي صوتت لصالح فلسطين، بل حتى عالمياً لم يقف إلى جانب إسرائيل سوى ثلاث دول مهمة هي الولايات المتحدة وكندا وجمهورية التشيك. وباستثناء تلك الدول صوتت جزر صغيرة جداً في المحيط الهادي تابعة لأميركا. وفيما اصطف الكونجرس الأميركي برجاله ونسائه لصالح إسرائيل، ليس معروفاً بعد موقف الشعب الأميركي بالنظر إلى غموض القضية في ذهن الأميركيين وعدم اطلاعهم الدقيق على مجريات الصراع العربي الإسرائيلي، ثم نسبة الجهل الكبيرة المتحكمة في مواقف الأميركيين بالنسبة للقضايا الدولية عامة. وقد استغلت إسرائيل الموارد الكبيرة المتاحة لها داخل أميركا، من دعم سياسي تقدمه الإدارات المتعاقبة وجماعات الضغط التي لا تتورع عن ابتزاز السياسيين للاستمرار في تصرفاتها، غير أن هذا النهج في الضغط على السياسيين قد يؤدي في وقت لاحق إلى إثارة رد فعل سلبي ستعاني منه إسرائيل إذا ما قرر الرأي العام الأميركي التحرر من الهيمنة اليهودية. ومع أن هذا الأمر قد لا يحدث في وقت قريب، فإنه مطروح على الطاولة ويؤرق إسرائيل والمدافعين عنها. لكن، وحتى نعود للسؤال الأول حول مصير الفلسطينيين في الأراضي التي تنوي إسرائيل ضمها إلى رقعة الاحتلال، فإنه يجدر بنا التذكير بقرار الأمم المتحدة في عام 1948 والقاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين؛ واحدة للشعب اليهودي وأخرى للشعب الفلسطيني. وهو القرار الذي يُداس اليوم بالاستيطان. والحقيقة أن جزءاً من الجواب يكمن في الآلة العسكرية الإسرائيلية بكل ما تضمه من ترسانة هائلة من الأسلحة، فربما تلجأ إسرائيل إلى السلاح لقتل أكبر عدد من الفلسطينيين في حال استمروا في إطلاق الصواريخ ومقاومة الاحتلال. لكن رغم ذلك تظل في أيدي الفلسطينيين ورقة رابحة على المديين المتوسط والبعيد متمثلة في العامل الديمغرافي، حيث يتوافر الفلسطينيون على أعلى معدل خصوبة في العالم، متجاوزاً نظيره الإسرائيلي بعدة مرات. لكن ما هو الحل بالنسبة للفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة، والتي تعتزم إسرائيل ضمها لمشروع الدولة الواحدة المخصصة للشعب اليهودي؟ لو تُرك الفلسطينيون داخل الأراضي المحتلة التي ستصبح جزءاً من إسرائيل، ستتحول هذه الأخيرة إلى دولة آبارتايد، وسيكون ذلك وصمة عار في جبين المجتمع الدولي الذي يسمح باضطهاد شعب على أرضه. فهل تعمد إسرائيل للتخلص من الفلسطينيين بدفعهم إلى الأردن أو مصر أو لبنان أو سوريا؟ وكيف سيتم التعامل مع مشاهد الأمهات المنتحبات وهن يجررن أبناءهن المتعلقين بما تبقى من أغراض، فيما الجرافات والدبابات الإسرائيلية تتعقبهم؟ بالطبع لن يسمح العالم بذلك، وسيكون الأمر حملة علاقات سيئة بالنسبة لإسرائيل، وربما تتدخل الولايات المتحدة في هذه الحالة، وهي أرض المهاجرين، لاستقبال الشعب الفلسطيني. وإن كنت لا أعتقد أن الإدارة الأميركية أو الكونجرس سيقبلان بهذا الأمر، ولا حتى أوروبا التي يبدو أنها غير مرتاحة لعدد المسلمين الحاليين فوق أراضيها، فما بالك بأعداد جديدة. هل تضعهم إسرائيل إذن على متن سفينة وترسلهم لألمانيا التي كانت وراء كل هذه المأساة؟ الحقيقة أنه ينبغي طرح السؤال على نتنياهو علَّه يجد حلاً للفلسطينيين الذين سيصبحون سكاناً غير مواطنين في دولة إسرائيل الكبرى ليبقى الجواب الوحيد غير المستساغ من قبل إسرائيل هو قبول حل الدولتين والالتزام به والسماح للفلسطينيين بتقرير مصريهم ضمن دولتهم الخاصة التي تكفل لهم الحرية وحقوق المواطنة بعيداً عن الاحتلال الإسرائيلي. ويليام فاف كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون ميديا سيرفس»