بعد مرور أسبوع على انتخابات مجلس الأمة الكويتي الخامس عشر الذي تزامن مع يوبيل الكويت الذهبي لإقرار الدستور وانتخاب أول مرة مجلس أمة في المنطقة، لا تزال الكويت والمنطقة والمهتمون بالشأن الكويتي والخليجي، في حالة من الذهول والارتباك بسبب النتائج المدوية وغير المسبوقة التي تمخضت عنها انتخابات مجلس الأمة الأكثر إثارة للجدل، والتي قاطعتها القوى السياسية من ليبرالية وإسلامية ومستقلي وقبائل، والتي شهدت النسب الأقل تنافساً واقتراعاً من بين مجالس الأمة. بالإضافة لكون المجلس الجديد شهد أكثر نسبة تغيير في تركيبة مجالس الأمة قاطبة منذ المجلس الأول الذي انتخب عام 1962. ولاشك أنه ستكون هناك تداعيات لتلك النتائج تؤثر في المشهد السياسي الكويتي وتلقي بظلالها إقليمياً. كانت نتائج انتخابات مجلس الأمة الجديد التي جرت في الأول من ديسمبر الجاري، غير مسبوقة. وحظيت بمتابعة واهتمام الكويتيين من نظام سياسي ومن القوى السياسية الكبيرة والفاعلة في النظام السياسي من تنظيمات ومجاميع وقبائل كبيرة ومؤثرة التي قاطعت انتخابات مجلس الأمة الأخيرة بسبب تعديل قانون الانتخاب وتقليص خيار الناخب الكويتي من أربعة مرشحين في دائرته الانتخابية إلى مرشح واحد، وتلك القوى السياسية والقبائل الكبيرة لم تغب عن المشاركة السياسية والتمثيل البرلماني لعقود. أصبحت اليوم خارج الإطار القانوني والسياسي خارج اللعبة السياسة وتعارض من خارج النظام، مما يحد من دورها وتأثيرها في الحراك السياسي، وهذه ضريبة المقاطعة السياسية. نعم ترسل رسالة قوية ومدوية لصانع القرار للتراجع وإعادة النظر في مراسيم الضرورة، وخاصة فيما يتعلق بمرسوم تعديل قانون الانتخاب وتقليص خيار الناخبين من أربعة مرشحين إلى مرشح واحد. ولكن في الوقت نفسه، تُقصي المقاطعين كلياً عن المشاركة السياسية، فيلجأون للمسيرات والتظاهرات، والتي باتت مؤرقة ومزعجة. انتخابات مجلس الأمة الأخيرة، كانت الأولى في تاريخ الكويت التي تقسم الكويتيين إلى مشاركين (أصحاب اللون الأزرق) ومقاطعين (أصحاب اللون البرتقالي). لأول مرة ينقسم الكويتيون إلى فريقين في مواجهة من العيار الثقيل، المعارضة ترفض التعديل، والأمير يؤكد أن التعديل ضروري لحماية الوحدة الوطنية، ولأول مرة في تاريخ انتخابات مجلس الأمة في الكويت يكون الاهتمام أكثر من الجميع بمعرفة نسبة الاقتراع ونسبة المقاطعة، وهل ستنجح المقاطعة التي دعت اليها القوى السياسية احتجاجاً على تعديل قانون الانتخاب بمرسوم ضرورة، وليس تحت قبة البرلمان في البرلمان الجديد، أكثر من الاهتمام بمن فاز ومن خسر من المرشحين. وبعد أسبوع من الانتخابات لم تصدر النسب الرسمية بعد، بل هناك تفاوت في نسب المشاركة. وزارة الإعلام الكويتية في تغطيتها لفرز الأصوات، وضعت نسبة المشاركة 40.3 في المئة. واللجنة العليا للانتخابات وضعت نسبة المشاركة 39.6 في المئة. بينما النسب التي قدمتها المعارضة كانت أقل وتراوحت بين 27 في المئة إلى 28.8 في المئة. وفي المجمل، حتى لو تم اعتماد نسبة المشاركة التي أعلنتها وزارة الإعلام، فالواقع يبقى أن نسبة المشاركة في انتخابات مجلس الأمة الأخيرة هي الأدنى على الإطلاق. حيث كان متوسط المشاركة في انتخابات مجالس الأمة الثلاثة الأخيرة 60 في المئة. فهناك انخفاض بأكثر من 20 في المئة من أصل 422,569 ناخباً. وهذه رسالة استخدمتها المعارضة لتطعن بالقبول الشعبي في البرلمان الجديد. لا يوجد في الدستور الكويتي أو في قانون الانتخابات ما يطعن بشرعية نتائج انتخابات مجلس الأمة، إذا لم تصل النسبة إلى حد معين. لهذا السبب فإن انتخابات مجلس الأمة شرعية ودستورية. ولكن لا يمكن للمراقب والمتابع للشأن الكويتي أن يغفل الحقائق التالية: نتائج الانتخابات لم تقف عند أدنى نسبة مشاركة، بل كشفت الهوة الكبيرة والانقسام الأفقي في المجتمع الكويتي. وأتت نتائج الانتخابات مذهلة وغير مسبوقة، وتمثلت بحقائق تضع الكويت على مفترق طرق وتدخلها في واقع غير مسبوق. فهناك غياب كلي للمعارضة المنظمة عن المشهد السياسي الكويتي للمرة الأولى، وهناك غياب كلي للقوى السياسية من إسلامية وليبرالية ومستقلين. الحركة الدستورية الإسلامية (الأخوان) غير ممثلين، السلف انقسموا بين مؤيد ومقاطع، الليبراليون من التحالف الوطني قاطعوا والمنبر الديمقراطي الجناح الآخر لليبراليين شارك من انشق منهم عن المنبر الديمقراطي، ولكن خسر الرهان. المستقلون ونواب التكتل الشعبي وعلى رأسهم أحمد السعدون رئيس مجلس الأمة السابق ومسلم البراك النائب الأكثر حضوراً ومشاكسة، والذي حصل على عدد من أصوات الناخبين في تاريخ برلمانات مجلس الأمة الكويتي 30,118. ومن المفارقات أن مجموع أصوات النواب الخمسة الأوائل الذين فازوا بالانتخابات الأخيرة في الدوائر الخمس لا يتجاوز 20,395 صوتاً أو ثلث عدد الأصوات التي حصل عليها مسلم البراك. من النتائج أيضاً: صعود الأقليات التي استفادت من نظام الصوت الواحد ومن17 نائباً. فارتفع تمثيل الأقليات في البرلمان أكثر من نسبهم في المجتمع الكويتي، وعلى رأس هؤلاء الشيعة الذين زاد عددهم من 7 نواب في البرلمان السابق إلى 17 نائباً أو ثلث نواب مجلس الأمة. ولأول مرة يفوز نواب شيعة في الدوائر القبلية المغلقة على قبائل كبيرة. الملفت أيضاً أن مجلس الأمة الجديد يدخله 30 نائباً جديداً يفوزون للمرة الأولى أو 60 في المئة من النواب. وهذا يعني أن ثلثي أعضاء مجلس الأمة هم نواب جدد يفتقدون للخبرة، ما قد يؤثر على كفاءة وقدرة المجلس في التعامل مع تحديات التشريع والرقابة. أما المرأة فقد نجحت، وللمرة الثانية في الوصول إلى مقاعد البرلمان في الانتخابات الأخيرة لمجلس الأمة الخامس عشر، حيث فازت ثلاث نساء بعضوية مجلس الأمة الجديد. نتائج بالفعل غير مسبوقة وبحاجة لجميع الأطراف التوقف عندها ملياً في تقويم وقراءة موضوعية لنتائج انتخابات الصوت الواحد، والتي من القراءة الأولية لا تساعد على الوحدة، بل كما تقول المعارضة تزيد هامش الخلافات، وبسبب انخفاض الأصوات المطلوبة للفوز قد تساهم بشراء الأصوات، وتزيد من الشوائب وتعزز الفرز الطائفي وتعطي الأقلية أوزاناً وأحجاماً أكبر من نسبهم الحقيقة في المجتمع، وكذلك تقضي على التحالفات التي كانت إحدى سمات الأصوات الأربعة، وبالتالي يثير نظام الصوت الواحد تساؤلات عديدة بحاجة إلى مراجعة متأنية وموضوعية على ضوء النتائج. ومع إصدار الأمر الأميري بتعيين الشيخ جابر المبارك رئيساً لمجلس الوزراء، وبدء مشاوراته لتشكيل الحكومة الجديدة وسط مقاطعة أيضاً من المعارضة في المشاركة فيها، فإن الكويت مقبلة على فترة حرجة. من الواضح أن الكويت مستمرة في إعادة انتاج أزماتها في تجربة برلمانية ومشاركة سياسية معقدة مرت بها جميع الديمقراطيات، التي أصحبت عريقة وراسخة. وهذا كله قد لا يحل المشاكل، ويقضي على الشوائب. لكنه في المقابل يقوي من صلب التجربة البرلمانية الكويتية، التي لا تزال بحاجة إلى المزيد من الوقت والجهد والمحاولات ليشتد عودها وتقوى.