هل يمكن أن تعود النازية اليوم لتحكم ألمانيا؟ هل نتوقع أن يُفسح المجال اليوم للفاشيين مرة ثانية للوصول إلى الحكم في إيطاليا؟ لماذا لا يمكن لهذه الأحزاب اليوم أن تحكم؟ السبب أنها جُرِّبت لمرة واحدة، مع أنها وصلت بالوسائل الديمقراطية وانتخبت من الشعب، ولكنها كانت سبباً في قيام حرب عالمية، وحروب إبادة ذهب ضحيتها عشرات الملايين. عشية الحرب العالمية الثانية لم تكن بريطانيا ولا فرنسا ولا حتى أميركا تمتلك الحماس لكي تقف ضد وصول النازيين إلى الحكم في ألمانيا. كانت أوروبا قد عاشت قبل 15 عاماً «1914-1918» حرباً كونية أهلكت قرابة ستة وخمسين مليوناً. ولهذا كان الجميع يتمنى السلام، ولا أحد يرغب بخوض الحرب ثانية، ولهذا لم يكن هناك دافع مقلق لمواجهة النازيين. وكان الجميع يرقب ما يحصل في ألمانيا بتوجس وتخوف، ولكن من دون أي خطوات حقيقية تحول دون حصول الكارثة. كانت ألمانيا أكثر دولة مهانة بعد الحرب العظمى الأولى، وتضررت كثيراً من الكساد الكبير عام 1929، وبعد وصول النازيين في عام 1933 للحكم، مثلت ألمانيا في نظر القوى العظمى سداً منيعاً يحمي أوروبا من الشيوعية الحمراء التي كانت تعيش ذروة ازدهارها مع الاتحاد السوفييتي. وكان الضعف قد اعترى فرنسا بشكل كبير وجثم عليها الخمول، ولهذا فاحتلال هتلر لفرنسا في خمسة أسابيع رغم أنه كان حدثاً مزلزلاً إلا أنه كان متفهماً ومتوقعاً. كانت نتائج الحرب العالمية الأولى والإذلال الذي تعرض له الألمان في معاهدة فرساي، عاملاً كبيراً ومؤثراً في تصاعد الروح القومية التي تسعى للثأر والانتقام وإعادة الكرامة المهانة، وكانت ألمانيا منذ سبعينيات القرن التاسع عشر وبعد توحيد ولاياتها، تدفع أوروبا إلى مسار الحرب، رغم الاستقرار النسبي الذي حرصت عليه مع جيرانها في أواخر القرن التاسع عشر. والغريب في الأمر أن بريطانيا وفرنسا تلكأتا في اتخاذ أي خطوات تجاه تنمّر النازية، واحتلالها أكثر من بلد وتهديدها دولاً أخرى، وقنعت بريطانيا بوعد من هتلر أنه لن يهاجمها، وبوعد آخر أنه سيعيد النظر في احتلال بولونيا، وحين رجع وزير الخارجية البريطاني إلى بلاده استقبل كالأبطال لأنه حصل على ورقة من هتلر تقول للبريطانيين: لا تقلقوا. في الوقت نفسه كان ستالين سعيداً بعقد اتفاق مع هتلر، ظاناً أنه لن يفتك به. كل تلك المآسي التي عرفتها الإنسانية طوال ست سنوات منذ 1939 حتى 1945 لأن جميع الأقوياء قنعوا بالتوجس تجاه حزب نازي كشف زعيمه وأبوه الروحي كل أوراقه في كتابه «كفاحي» الذي نشره بعد السجن عام 1925 أي قبل أن يصل إلى الحكم بسنوات كثيرة. لقد تعاطت القوى العظمى مع التطورات في ألمانيا على أنها شأن داخلي، ولأن هتلر وصل برغبة شعبه. الدول الأوروبية اليوم تتغاضى إلى حد كبير عن وجود أحزاب يمينية متطرفة ضمن الحدود المسموح بها، لأنها تمنح شعوبها التماسك، وتحافظ على الروح القومية، حيث تشكل معاداتها للمهاجرين والأجانب جوهر الروح القومية، إضافة إلى أن هذه الأحزاب اليمينية شأنها شأن غيرها تمارس لعبة السياسة وفق شروطها. ولكن نحن نتذكر الرعب الذي أصاب أوروبا قاطبة من مخاوف وصول حزب يميني متطرف إلى الحكم في السويد 2010. وحين ننظر في كل ما يجري حولنا الآن في مصر وتونس فلنتذكر أنه حين تلدغني مرة فأنت المخطئ، ولكن حين تلدغني مرتين فأنا حينها المذنب.