ترتبط احتمالات الإصابة بالأمراض السرطانية بالعديد من العوامل؛ مثل العمر والجنس، والعادات الغذائية، والوزن، ومقدار ممارسة النشاط البدني والرياضة، والتدخين، وشرب الكحوليات، والتعرض للإشعاع، أو للملوثات الكيميائية أو الهرمونية. وإن كان هناك مجموعة من الأمراض السرطانية التي ترتبط بشكل مباشر بالعدوى بأنواع الجراثيم المختلفة، من فيروسات وبكتيريا وطفيليات. حيث تشير التقديرات إلى أن 18 في المئة من جميع حالات السرطان، أو واحدة من كل خمس حالات تقريباً، ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالعدوى بأحد أنواع الجراثيم. وأشهر أنواع الجراثيم التي تتسبب في الإصابة بالسرطان، هو فيروس الثآليل الجنسية الذي يعتبر السبب الأساسي خلف الإصابة بسرطان عنق الرحم. ويحتل هذا النوع من الأمراض السرطانية، المركز الثاني -بعد سرطان الثدي- على قائمة الأمراض السرطانية الأكثر انتشاراً بين النساء، والمرتبة الثالثة بعد سرطان الثدي وسرطان الرئة، على قائمة أكثر الأمراض السرطانية فتكاً بالنساء، حيث تشير التقديرات الدولية، إلى أن سرطان عنق الرحم يقتل أكثر من ربع مليون امرأة سنوياً. وهو ما يعني إجمالًا، أن سرطان عنق الرحم، يشكل إحدى أكبر المخاطر الصحية التي تواجه النساء حالياً، بسبب معدلات انتشاره المرتفعة، وبسبب حجم الوفيات الناتجة عنه. والملاحظ أن معدلات الانتشار تلك، والوفيات المصاحبة لها، شهدت تزايداً ملحوظاً في العقود القليلة الماضية. والمجموعة الثانية من الفيروسات التي تسبب الإصابة بالسرطان، هي مجموعة فيروسات التهاب الكبد الفيروسي المزمن (B) أو (C) حيث تزداد احتمالات الإصابة بسرطان الكبد بمقدار مائتي ضعف بين المصابين بالتهاب الكبد الفيروسي المزمن (B) مقارنة بالأشخاص الأصحاء. فمن بين كل 200 حالة عدوى بفيروس (B) يتسبب المرض في سرطان الكبد في واحدة منها، وهي النسبة التي ترتفع مع العدوى بفيروس (C) إلى إصابة واحدة بالسرطان من بين كل 45 حالة. وتزداد احتمالات الإصابة بسرطان الكبد بقدر كبير، إذا ما كان الكبد قد تعرض للتليف، سواء بسبب العدوى الفيروسية، أو أحد الأسباب الأخرى التي تسبب تليف الكبد، مثل الإفراط في شرب الكحوليات. وبناء على أن التهاب الكبد الفيروسي هو مرض واسع الانتشار، حيث يعاني 240 مليون شخص حالياً من العدوى المزمنة بفيروس (B) ويعاني 150 مليوناً آخرون من العدوى المزمنة بفيروس (C) ونتيجة كون سرطان الكبد مرضاً قاتلاً في الغالبية العظمى من الحالات، يعتبر هذا المرض من أهم الأسباب خلف الوفيات الناتجة عن الأمراض السرطانية، وخصوصاً في شرق آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء. والمجموعة الثالثة من الفيروسات الشائعة التي تتسبب في الإصابة بالأمراض السرطانية، هي مجموعة فيروسات الهربس التي يتسبب بعضها في الإصابة بأحد أنواع سرطان الدم، أو الليمفوما، وسرطان الحلق، ونوع خاص من السرطان، بالإضافة إلى بعض الشكوك في علاقتها بسرطان البروستاتا. وتتعاون هذه الفيروسات بشكل ما مع فيروس مرض نقص المناعة المكتسبة أي الإيدز، الذي لا يسبب السرطان بشكل مباشر، وإنما كنتيجة لتدميره جهاز المناعة، فإنه يجعل الجسم غير قادر على مكافحة أو التحكم في الفيروسات الأخرى التي تسبب السرطان بشكل مباشر. ولا تقتصر العلاقة بين الأمراض السرطانية والجراثيم المعدية على الفيروسات فقط، بل تمتد أيضاً إلى البكتيريا. وأشهر مثال على هذه العلاقة هي البكتيريا التي تسبب التهاباً مزمناً وقرحة في جدار المعدة، ينتهي بالإصابة بسرطان المعدة. وعلى رغم أن نسبة ضئيلة جداً من المصابين بهذه البكتيريا، تتطور حالتهم إلى مرحلة سرطان المعدة، إلا أنه بسبب الانتشار الواسع للعدوى بين أعداد كبيرة من البشر، يعتقد أن هذه البكتيريا هي السبب الرئيس خلف غالبية حالات الإصابة بسرطان المعدة. وتلعب الطفيليات هي الأخرى دوراً في زيادة احتمالات الإصابة بالسرطان، وبالتحديد الطفيلي المسؤول عن مرض البلهارسيا. حيث يتسبب الالتهاب الناتج عن بويضات ديدان البلهارسيا في الإصابة بسرطان المثانة البولية، وسرطان المستقيم والشرج في الأنواع الآسيوية من المرض، كما تتسبب ديدان الكبد في الإصابة بسرطان القنوات المرارية. ويعتقد أيضاً بوجود علاقة بين العدوى بطفيلي الملاريا في الدول الأفريقية وبين أحد أنواع سرطان الدم . وتظهر هذه القائمة قوة العلاقة بين الأمراض المعدية وبين الإصابة بالسرطان، وخصوصاً حالات العدوى الفيروسية، التي تحتل المرتبة الثانية على قائمة أسباب الإصابة بالأمراض السرطانية، حيث لا يسبقها على هذه القائمة إلا استخدام منتجات التبغ. وهو ما يفتح المجال لإمكانية الوقاية من نسبة لا يستهان بها من الأمراض السرطانية من خلال استخدام التطعيمات الطبية، كما هو الحال مع فيروس سرطان عنق الرحم، وفيروس التهاب الكبد (B)، وهو ما يعتبر حالياً من أكثر السبل فعالية في الوقاية من الأمراض السرطانية. وعلى نفس المنوال، يمكن الوقاية أيضاً من الغالبية العظمى من حالات سرطان المعدة، من خلال استخدام المضادات الحيوية التي تقضي على البكتيريا المسببة لقرحة المعدة، واستخدام مضادات الديدان التي تقضي على ديدان البلهارسيا وديدان الكبد، وتحقق الوقاية من سرطان المثانة وسرطان الكبد.