محتجون يتجمعون في الشوارع المحيطة بالبرلمان والرئاسة، ومسيرات غاضبة في عدد من مدن البلاد للتعبير عن رفضها للرئيس الجديد. فما أن تسلم إنريك بينا نييتو منصبه كرئيس للمكسيك في الأول من الشهر الجاري، حتى اندلعت الاشتباكات العنيفة بين قوات الأمن والمحتجين الذين ألقوا الحجارة ورموا قنابل المولوتوف والمفرقعات باتجاه رجال الشرطة. وعلى وقع هذه الصدامات الدامية أدّى بينا نييتو اليمين الدستورية وتسلم مقاليد السلطة من الرئيس المنتهية ولايته، فيلبي كالديرون، خلال احتفالية رسمية في القصر الوطني، ليقود بلداً بصحة اقتصادية جيدة، لكنه يعاني من عنف مصدره عصابات تجار المخدرات والجريمة المنظمة، مضافاً إليهما أخيراً ميل المعارضين من أنصار المرشح الرئاسي السابق، اليساري لوبيز أوبرادور، إلى ممارسة العنف وأعمال التخريب، سبيلاً لإثارة القلاقل وإفشال الرئيس المنتخب، ومن ثم الدفع نحو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وكان بينا نييتو قد انتُخب في الأول من يوليو الماضي بحوالي 38 في المئة من الأصوات، وأكدت محكمة الانتخابات الفيدرالية فوزه في الـ31 من أغسطس الماضي أيضاً. وإنريك بينا نييتو سياسي مكسيكي، وعضو في «الحزب الثوري المؤسسي» المكسيكي، وحاكم سابق لولاية مكسيكو، وقد أصبح الرئيس الـ57 للمكسيك. وقد ولد بينا نييتو عام 1966 في ألتلاكوميلكو الواقعة على بعد 55 ميلاً إلى الشمال الغربي من مكسيكو. وكان الأكبر بين أربعة أشقاء في أسرة من الطبقة المتوسطة؛ وكان والده مهندس كهرباء وأمه مدرّسة. وخلافاً لمعظم رؤساء المكسيك السابقين، لم يدرس بينا نييتو في جامعة أميركية، وإن كان قد حضّر سنة من تعليم اللغة الإنجليزية، في مدرسة دينيس ألفريد، خلال المرحلة الإعدادية عام 1979. وحين كان في سن الحادية عشرة انتقلت عائلته من ألتلاكوميلكو إلى مدينة تولوكا. ثم سافروا إلى مكسيكو عام 1984 حيث التحق بجامعة باناميريكانا، فحصل منها على درجة البكالوريوس في القانون وأصبح محامياً، ثم نال درجة الماجستير من معهد مونتيري للتكنولوجيا والتعليم العالي في نيو مكسيكو. وفي تلك الفترة عمل كاتب عدل، ثم التحق بمؤسسة سان لويس لتصنيع قطع غيار السيارات. وقدّم بينيا نييتو أطروحة أكاديمية حول النظام الرئاسي المكسيكي، جادل فيها بأن ذلك النظام، ومنذ عهد خواريز بينيتو، تحول إلى «ديكتاتورية رئاسية» أفسحت المجال أمام قيام سلطة سياسية مطلقة. ويقول عن نفسه إنه أصبح مهتماً بالسياسة في المرحلة الابتدائية عندما اختير رئيساً لصفه. وفي فترة المراهقة، كان يرافق والده في أنشطة الحملة الانتخابية لحاكم ولاية مكسيكو، خورخي كانتو، وهو صديق مقرب للوالد. ثم تولى منصب المحافظ من بعده الفريدو غونزاليس، وهو ابن عم للوالد أيضاً، وذلك بعد حملة انتخابية قوية عام 1981، شارك فيها بينيا نييتو، وكان ذلك أول اتصال مباشر له بالسياسة. وربما بدأ بينا نييتو حياته السياسية رسمياً حين أصبح سكرتيراً لـ«حركة مواطن» في المنطقة الأولى من لجنة الولاية ضمن الاتحاد الوطني للمنظمات الشعبية، وهو أحد ثلاثة قطاعات تشكل «الحزب الثوري المؤسسي»، وذلك بين عامي 1990 و1993. وفي الفترة من 1993 إلى 1998، أي خلال ولاية إيميليون شوييفيت كحاكم لمكسيكو، كان بينا نييتو رئيساً للموارد البشرية في ديوان الحاكم، ثم أصبح سكرتيراً شخصياً لوزير التنمية الاقتصادية في الولاية روخاس مونتيل. وفي عام 2003، انتخب نائباً عن الدائرة الـ13 في ألتلاكوميلكو في برلمان ولاية مكسيكو، ثم عين زيراً للداخلية في ولاية المكسيك، مما منحه الفرصة للالتقاء بكبار السياسيين وإقامة علاقات مع رجال الأعمال والشخصيات الكنسية. وبعد عامين أصبح بينا نييتو أقوى مرشح داخل الحزب لخلافة مونتيل روخاس على رأس ولاية مكسيكو، حيث أعلن اسمه رسمياً كمرشح للحزب في فبراير 2005. وفي انتخابات يوليو من ذلك العام فاز بينا نييتو بمنصب الحاكم، لحصوله على 49?2 في المئة من الأصوات، متقدماً بفارق كبير على أقرب منافسيه. وقد بقي في هذا المنصب خلال الفترة بين سبتمبر 2005 وسبتمبر 2011، حيث اهتم بتجديد وتوسيع البنية الطرقية، وتطوير القطاع الصحي، وإيصال شبكات المياه العذبة إلى سائر أنحاء الولاية. وقد تضاعفت الطرق السريعة في عهده ثلاث مرات، وأنجز 196 مستشفى ومركزاً طبياً، وقلّت الوفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي بنسبة 55 في المئة، ووصلت الولاية إلى الرقم المثالي متمثلاً في وجود طبيب لكل 1000 ساكن. وقد حصل بينا نييتو على الأموال اللازمة لتلك الإنجازات عبر إعادة هيكلة الديون العامة للولاية، وتوسيع القاعدة الضريبية التي تضاعفت في غضون ست سنوات. وفي نوفمبر 2011، أصبح بينا نييتو رسمياً مرشح «الحزب الثوري المؤسسي» للانتخابات الرئاسية 2012. لكن صورته تضررت حين أجاب على سؤال حول أكثر ثلاثة كتب أثرت فيه، حيث تعرض لانتقادات لاذعة من قبل المثقفين، وحين اتضح أنه لا يعرف سعر الرقاق، حيث اتهمه منتقدوه بالبعد عن حياة الأغلبية الشعبية. لكنه أخيراً تقدم على جميع المتنافسين في انتخابات الرئاسة يوم 1 يوليو 2012، إذ فاز بنسبة 38 في المئة من الأصوات، حيث ظهر في مساء ذلك اليوم ليعلن «فوز المكسيك»، وليشكر ناخبيه ويعد بحكومة «مسؤولة وتتقبل النقد». لكن مرشح «حزب الثورة الديمقراطية»، لوبيز أوبرادور، رفض النتائج وادعى وجود «مخالفات جسيمة في الانتخابات»، متهماً «الحزب الثوري المؤسسي» بشراء الأصوات وتوزيع الهدايا لجذب الناخبين للإدلاء بأصواتهم لصالحه. بيد أن النتائج النهائية للانتخابات، كما أعلنتها أخيراً المحكمة الفيدرالية للانتخابات، أكدت فوز بينا نييتو بـ38،21 في المئة من الأصوات، يليه لوبيز أوبرادور بنسبة 31،59 في المئة. وبعد خروجه من معركتين حاميتين، المعركة الانتخابية والمعركة القضائية، يتسلم بينا نييتو قيادة الولايات المتحدة المكسيكية وهي منقسمة حول رئاسته، وفي الوقت ذاته لديها أمل في أن يفي بوعوده الانتخابية فيحافظ على وتيرة النمو الاقتصادي بمستواها الذي يعد جيداً بمقاييس الفترة الحالية، وفي أن يتمكن من تشكيل حكومة قادرة على الاضطلاع بمسؤولية التصدي للتحديات الأمنية والاجتماعية والبيئية... لعله يثبت نفسه في المنصب الرئاسي عبر شرعيتي الإنجاز والقبول الشعبي! محمد ولد المنى