ثمة عناصر إيجابية للثورة السورية، من بينها أن التغيير تم ويتصاعد، وهو نفسي قبل كل شيء، من تحول داخلي بحت: وذلك تصديقاً للآية الكريمة «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم». وهي ضربة الميلينيوم (مرة كل ألف عام). لقد انكسر حاجز الخوف وهي الآلية التي تتابع الديكتاتورية عيشها، ومن هذا الغذاء يستمر بقاؤها وديمومتها. حاول فرعون بجنوده لجم الناس من جديد بسوط عذاب فلم ينفع، وعليه استخدم طرقاً جديدة لحجز الناس في مربع الديكتاتورية. ولكن الأمر ليس بهذه السهولة. حتى الجراثيم تتكون عندها المناعة ضد المضادات الحيوية مع الوقت فلا تفلح. لذا كانت دراسة الوضع في سوريا سطحية حين تعتبر الأمور هادئة نصف قرن. في الواقع كانت تتخمر لتعوض فارق الضغط الانفجاري مذكراً بعمل الطنجرة البخارية واحتباس الضغط فيها. نهاية عصر الحاكم الإله، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون! كانت حقبة سوداء في التاريخ العربي الحديث. معظم المثقفين راهنوا على انفجار الأوضاع ولكن متى وأين وكيف؟ إنه بكلمة أخرى بزوغ عصر التوحيد وتحطيم الأصنام البشرية والحجرية وإعلان شعار (أن لا إله إلا الله). وأن بشار والمسيح بشر ممن خلق. جانب مهم في الثورة السورية يغفل عنه الكثير؛ إنه صراع التوحيد في وجه الوثنية. عبدة الطاغوت يزعقون ويهتفون: الله وسوريا وبشار وبس. (بس تعني فقط). في الحقيقة هم يقولون بشار وبشار وبشار وبس. إذن أين كان الصراع بين محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والتسليم وبين مشركي قريش الملاحدة؟ الجواب الشرك بالله، كما يفعل في سوريا عبدة الطاغوت. الثوار بالمقابل يقولون الله وسوريا وحرية وبس. في الواقع يقولون نريد بلداً نتمتع فيه بحرية التفكير والتعبير. هنا يجب الخوف من رحلة ما بعد ذهاب النظام إلى سقر غير مأسوف عليه، أن تنشأ اتجاهات متشددة، تكرر الثالوث المقدس بطريقة مختلفة، فتمنع حرية التفكير وينصب الاهتمام على الطقوس والشعارات الجوفاء، فضلاً عن حرية التعبير والتجمع والتظاهر، وتكوين الأحزاب، والصحافة الحرة، والقضاء المستقل، ونقل السلطة السلمي، والبرلمانات التمثيلية الصادقة، وليس مثل مجلس الشعب والنقاشات على الهواء مباشرة، مهما تباينت الآراء واحتدت. هناك الكثير من المتشددين في صفوف الثورة يعطوننا الانطباع الخطير ببداية التشدد، وسببه الأعم هو دموية النظام الغول. لقد اندفع الناس إلى الحواف الحدية في الصدام والمواجهة. لذا كان المعنى العميق للثورة أخلاقياً أنه من طرف إعلان ولادة الإنسان المحرر من علاقات القوة، الموحد لله بدون شريك، من الأصنام البشرية والحجرية، فهذا هو لب التوحيد، ومن أجله طورد الأنبياء والصالحون، وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب؟ وهو العقاب الذي ينتظر نظام بشار وعبدة الطاغوت.