في طريقي إلى النادي السياسي لحزب المحافظين في لندن (نادي كارلتون)، تلبية للدعوة التي استضافتني فيها مجلة لندن الثقافية العريقة، كانت الكثير من المشاعر الجياشة تعصف بأفكاري، فبين يدي نسخ من مؤلّفي الجديد «ماذا تعرف عن دولة الإمارات وعن المواطن الإماراتي؟»، وقد وجدت في أعماقي إحساس المحارب الذاهب إلى ميدان الوغى، وليس أمامه سوى أن يكسب المعركة، ومعركة اليوم ليست ككل المعارك التي خضتها خاصة في الفترة السابقة من حياتي، والتي جنّدت فيها كل طاقاتي وإمكانياتي كما فعل إخوتي وأشقائي من أبناء الموطن، والتحمت معهم لصدّ عدوان قوى الإسلام السياسي والإخوان المتأسلمين التي تربصت بنهضة ومجتمع بلادنا وأرادت أن تقعدنا عن المضي قدماً في كرنفال التميز، وتطبيق نظرية المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان التي أثبتت جدواها كأفضل نظرية في العصر الحديث أحالت شتات «إمارات الساحل» إلى دولة جذب لكل مجتمعات الدنيا، وساعية بالخير في داخلها وفي كل بقعة من بقاع أرض الله الواسعة. كنت أراجع في نفسي أهمية معركة أن أجلس إلى من سيجمعني معهم الملتقى الذي لم يتبق من وقته إلا أقل القليل، وهم شعب غير شعبي، وطبائعهم غير طبائعي، ووسائل إقناعهم ليست تلك الوسائل التي اعتادتها مجتمعاتنا. أول ما لفت نظري هو وجود شخصيات مفصلية في هذا اللقاء، منهم لوردات وأعضاء في مجلس العموم، وعلى رأسهم نايجل ايفانز، نائب رئيس البرلمان البريطاني، والسير مالكوم ريفكيند، وزير الخارجية والدفاع البريطاني السابق، ورئيس لجنة الأمن في البرلمان البريطاني، والبارون اللورد ريسبي، نائب رئيس حزب المحافظين، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات الإعلامية والسياسية والثقافية البريطانية، وهي الشخصيات الأكثر قدرة على التأثير في الإعلام والمجتمع البريطانيين. لقد زادت المعركة أهمية بالنسبة لي، فإقناع هذه الشخصيات بحقيقتنا وحقيقة موقفنا هو الانتصار الحقيقي الذي أنشده وفاءً لوطني وحكامي وشعبي، فقد أفلح المستهدفون تساعدهم بعض الدويلات الحاضنة والممولة والتي بدت بوادر انقلابهم التدريجي عليها تلوح في الأفق، في حقن الرأي العام العالمي بالكثير من المعلومات المغلوطة عن دولة الإمارات، واستخدموا سلاح الإعلام وروافده المختلفة من إشاعات، وتوجيه معنوي سلبي، وفبركة الكثير من الحقائق والأخبار الكاذبة، بغرض الحصول على التأييد الذي يساعدهم على تنفيذ مآربهم داخل الدولة، ولكنهم فوجئوا بالجدار الصلب الذي بناه زايد بتكتل مزج بين الراعي والرعية في تماسك لا فكاك منه، ووجدت منهم وعياً كبيراً في التصدّي ما أعاق الكثير من الخطط الجهنمية التي هدفت للنيل من المجتمع ونهضته ومقدراته. الحوار كان شفافاً وصريحاً عن قضايا المنطقة وحراكها السياسي والاجتماعي العام، وما يسمى بثورات «الربيع العربي» التي أفلحت جماعات الإسلام السياسي والإخوان المتأسلمين في سرقتها من مختلف الشعوب، والنموذج السيء الذي قدّمته حتى هذه اللحظات عن الحكم الإسلامي بمفهوم تلك الجماعات، وهو ما انعكس سلباً على رؤية المجتمعات غير الإسلامية التي فهمت التجربة على أساس أنها تجربة إسلامية وليس على أساس أنها تجربة طائفة من الطوائف الإسلامية تجد من بقية الطوائف انتقادات واستنكاراً لأنها حادت عن الإسلام وقدمته برؤيتها لا برؤيته الحقيقية. إنها بالضبط أشبه بالماركسية التي نشأت وتلاشت في القرن الماضي، حينما نشأ ماركس ورأى أمامه الدين المسيحي الذي كان رجالاته قد استمرأوا فيه جني المال عن طريق صكوك الغفران، ففهم ماركس الدين المسيحي بفهم الدين الذي رآه أمامه، ومن داخل الكنيسة التي اعتكف فيها خرجت أولى نظرياته التي تقول إن «الدين أفيون الشعوب»، فالدين الذي رآه ماركس واعتقده كان أخطر من الأفيون على شعبه الذي كان يفعل كبائر الكبائر، ويشتري صكاً بمبلغ زهيد يمسح عنه كل الذنوب والخطايا، وهو ذات النهج الذي اتبعته جماعة الإخوان المتأسلمين الحالية التي جعلت من الانتماء لتنظيماتها صك غفران عن كل أشكال الفساد الاجتماعي والاقتصادي والقانوني، وأن ارتداء الحزام الناسف وتفجير خلق الله به حتى ولو كانوا يدينون بدين الإسلام وينطقون الشهادتين ويصلون الصلوات الخمس، يبقى صك غفران أرخص ثمناً وأقرب منالاً من الصكوك الأخرى. وكان التطرق لتعاطي دولة الإمارات العربية المتحدة مع الأوضاع الراهنة، ودفوعاتها فيما اتخذته من إجراءات هو الهدف الأساسي، فهو الترويج المطلوب لنظرية ولاة أمورنا التي لم تجد منّا نحن أبناء الإمارات طرحها وترويجها وتسويقها بما يليق بحجمها الكبير، فزايد رحمه الله بما فعله وما تركه من إرث يتقدم على الشخصيات العالمية المعروفة كغاندي وطاغور ومانديلا وغيرهم. وجاء الحديث عن الإصدار، فالحديث عن الإصدار هو الحديث عن دولة الإمارات، تاريخها القديم الذي يجهله الكثيرون، والذي يمتد إلى آلاف السنين قبل الميلاد، وتاريخها الأوسط الذي يجهله الكثيرون أيضاً والذي عاصر الميلاد ورافق أيامه حتى ظهور الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، والذي لملم خبرة كل هذا الإرث التاريخي، ومزجها في مزيج واحد متجانس في مسيرة دولة سبقت الزمان والمكان، وأيضاً الحديث عن هذا المواطن الذي انتفض على صعوبة تضاريس الثلاثية البيئية المكونة للدولة من صحراء وساحل وجبل، وتمرد على الإمكانيات الشحيحة، فصنع بإرادته واقعاً مغايراً ما كان يمكن لأحد قبل الاتحاد أن يعتبره بعيداً عن نسج خيال خصب لو حدثه عنه أحد. وعدت من رحلتي مطمئناً، مطمئناً لأنني اكتشفت حقيقة هامة يكتشفها كل مواطن سافر إلى خارج الدولة، وهي أن الإمارات معي في كل خطواتي، ورئيس الدولة ونائبه وإخوانهما الحكام وشعب الإمارات هم الوقود المحرك، والأهم من كل ذلك، ورغم قصر المدة إلا أن الحنين والتفكير في الرجوع لأرض الإمارات كان من أقوى الأحاسيس سيطرة على فكري.