يُعرف عن الهند النفوذ التقليدي الذي تمارسه في جزر المالديف القريبة منها في المحيط الهندي، لكن مؤخراً شهدت العلاقات بين البلدين نوعاً من التوتر الملحوظ بعدما أقدمت الحكومة المالديفية على إلغاء مشروع تطوير المطار الدولي بالبلاد، والذي كانت تشرف عليه شركة هندية بكلفة تبلغ 500 مليون دولار باعتباره أكبر استثمار خارجي في المالديف. وبالطبع جاء رد فعل السلطات الهندية سلبياً بالنظر إلى ما يجمع البلدان من جوار جغرافي وعلاقات قديمة، حيث عبرت الحكومة الهندية عن استيائها إزاء سحب المشروع من شركة «جي. إم. آر. جروب»، التي فازت بالصفقة خلال 2010 تحت قيادة الحكومة المالديفية السابقة التي كان يرأسها محمد نشيد قبل أن يتنحى لاحقاً، مطلقاً سيلًا من عدم الاستقرار السياسي ما زال مستمراً حتى اليوم. وفي تعبير واضح عن امتعاضها أوضحت الحكومة الهندية في بيان مقتضب وبكلمات موجزة وصريحة أنها ستتخذ جميع الإجراءات الضرورية لضمان سلامة وأمن مصالحها ومواطنيها، مؤكدة أن إلغاء المشروع يبعث برسالة سلبية إلى المستثمرين الأجانب والمجتمع الدولي. ورغم إبداء الرئيس المالديفي محمد وحيد أمله في أن لا يؤثر الحادث العارض على العلاقات التقليدية بين البلدين، فإن الواقع يشير إلى توتر واضح في تلك العلاقات بسبب إلغاء الصفقة وأمور أخرى سنأتي على تفصيلها لاحقاً. ولم تجدِ على ما يبدو محاولات الرئيس المالديفي في تلطيف الأجواء وتبني نبرة متفائلة وتصالحية بشأن الصلات بين البلدين في تبديد الانطباع بأن الصفقة الهندية لتطوير المطار الدولي بالمالديف قد جرفتها الحسابات السياسية الداخلية والصراعات الجارية منذ مدة بين الأطراف السياسية المختلفة التي تحاول المزايدة على بعضها البعض بإظهار العداء للهند ومصالحها، فمباشرة بعد تولي محمد وحيد الرئاسة في شهر فبراير الماضي عمد في أول خطوة له إلى طمأنة الهند على استثماراتها في المالديف، لا سيما صفقة شركة «جي. إم. آر»، وهو ما يفسر اليوم الذهول الحالي للحكومة الهندية من إلغاء المشروع والانقلاب على تلك التطمينات. والتبرير الذي اعتمد عليه الرئيس في إلغاء الصفقة أن هذه الأخيرة، التي وقعت تحت قيادة الرئيس السابق، تمت في ظروف مشبوهة تستلزم المراجعة، والحال أن الصفقة كانت ضحية الصراعات الداخلية بين القوى السياسية التي تحاول تعزيز مكانتها بإظهار حرصها على سيادة الدولة والدفاع عنها في نوع من المزايدة السياسية على بعضها البعض علها تحسن من موقعها الانتخابي لدى الرأي العام. والمشكلة أن مثل هذه التصرفات ستضر بمستقبل الاستثمار في المالديف مع تردد المستثمرين في المجازفة بأموالهم ضمن مشاريع تبقى رهينة الاستقطاب السياسي والمصلحة الضيقة للأطراف المتصارعة في الساحة المالديفية. وكانت الشركة الهندية التي أُلغي عقدها قد وصفت الخطوة بأنها عشوائية وغير منطقية، وذلك بعد سنتين من العمل تمكنت خلالها من الفوز بصفقة تطوير المطار الدولي بالمالديف وبناء محطة جديدة، ليُطلب منها مغادرة المالديف في غضون سبعة أيام. وإذا كانت المالديف معروفة بمنتجعاتها السياحية الراقية وشواطئها الخلابة، إلا أنها تعيش في السنوات الأخيرة على وقع الاضطرابات السياسية التي تهدد استقرار البلاد، حيث بدأت موجة الصراع عندما استقال رئيس الحكومة السابق محمد نشيد مطلع شهر فبراير الماضي عقب أسابيع من الاحتجاجات الحاشدة ضده في الشوارع بسبب إقالته لأحد القضاة البارزين في البلد. وفي خطاب متلفز، أعلن الرئيس استقالته على الملأ منعاً لعدم الاستقرار وحفاظاً على المصالح العليا للوطن، لكنه عاد ليتراجع لاحقاً عن كلامه مدعياً أنه تعرض لانقلاب عسكري سعى للإطاحة به. ومنذ ذلك الوقت والمالديف تعاني اضطرابات سياسية لم تخرج منها حتى هذه اللحظة. وبالتزامن مع هذا الاضطراب السياسي تنامى الخطاب المناوئ للهند في المالديف، رغم الحضور القوي والتقليدي للهند في البلاد. فحتى قبل مشكلة إلغاء صفقة تطوير المطار دخل البلدان في معركة دبلوماسية عندما أدلى متحدث رسمي باسم الرئيس المالديفي بملاحظات غير لائقة تجاه السفير الهندي. ورغم الأسف الذي عبرت عنه الحكومة على التصريحات التي تلفظ بها عادل رضا، المتحدث باسم الرئيس، فإنها زادت في تعميق الخلاف بين الهند والمالديف، فيما أوضحت نيودلهي بأن التعليقات التي أدلى بها المسؤول المالديفي في جمع سياسي عام خرجت عن نطاق الأعراف الدبلوماسية. والمشكلة في المالديف أن الأحزاب السياسية غير قادرة على التوافق فيما بينها. وهنا جاء دور الهند التي وجهت دعوة عامة بحل الخلافات السياسية عن طريق الحوار، هذه الدعوة التي لا يبدو أن السياسيين في المالديف مستعدون للالتزام بها. ومهما يكن الحال من نزاع داخلي تعيشه المالديف تبقى الحقيقة أن الهند هي البلد الأكثر نفوذاً في الجزيرة -الدولة. وبالنسبة لبلد صغير مثل المالديف يظل التعاون مع بلد في حجم الهند الذي ما زال اقتصادها من بين الأسرع نمواً في العالم، رغم واقع الأزمة الاقتصادية، مهماً وضرورياً. ولعل ما أزعج الهند هو ما جاء في خطاب الرئيس محمد وحيد في خطابه لتخليد ذكرى الاستقلال في 3 نوفمبر الماضي عندما اتهم فيه أطرافاً خارجية بالسعي إلى التأثير في المالديف والتدخل في شؤونها تحت مسميات مختلفة أكانت شركات، أو قوى سياسية، أو غيرها، في إشارة واضحة إلى الهند. ولا شك أن مثل هذه التصريحات غير الودية دقت أجراس الإنذار في نيودلهي، لا سيما وأنها تتزامن مع تقارب غير مسبوق بين المالديف والصين، هذه الأخيرة التي فتحت مؤخراً سفارتها الأولى في البلد، لذا من الطبيعي أن تبدي الهند على ضوء التطورات الأخيرة اهتماماً خاصاً بالمالديف وما يجري في محيطها القريب، لأن ذلك يؤثر مباشرة على مصالحها، كما أنه من المهم للهند أن تصوغ سياسة تقارب جديدة مع المالديف باعتبارها جاراً قديماً تربطه علاقات راسخة مع الهند. ولا يمكن لأي حزازات عرضية أن تؤثر على مستقبل العلاقات بين البلدين.