مرت الآن عدة أشهر على تولي الرئيس فرانسوا أولاند مقاليد السلطة في بلاده، وما زالت إعادة اكتشاف الطريقة التي اكتنفت ذلك الفوز، وصنعت هذا الزعيم، تجذب اهتمام كثير من القراء الفرنسيين، النهمين عادة لمعرفة كل شيء عن تفاصيل ويوميات وسيرة ومسيرة ساكن قصر الأليزيه. وضمن التأريخ ليوميات ذلك الفوز التاريخي الذي أعاد الحزب الاشتراكي إلى الواجهة مجدداً بعد غياب طويل نسبياً جاء كتاب "لم يجر شيء كما كان متوقعاً" للصحفي الفرنسي "لوران بينيه"، وهو أيضاً مؤلف وكاتب شاب نسبياً، وذائع الصيت، وحاصل على جائزة "جونكور" الفرنسية المرموقة عن أحد كتبه السابقة. وقد اختار الكاتب أن يكون كتابه هذا بمثابة تتبع للفترة الممتدة ما بين انطلاق أولاند في الحملة الانتخابية الرئاسية في يونيو من العام الماضي إلى إعلان فوزه بها في احتفالية صاخبة بميدان الباستيل ليلة 6 مايو الماضي، مؤكداً خلال ذلك كله أن الرجل قد خيب آمال وتوقعات من استبعدوا احتمال فوزه، وكأن هذا الفوز هو غير المتوقع الذي يشير إليه العنوان. وما يسعى هذا العمل لإنجازه ليس التأريخ بالمعنى التقليدي لوقائع سجلت أو أحداث جرت، وإنما التأريخ بالمعنى السياسي والصحفي، وهو تتبع كيفية تبلور المواقف وصياغة السياسات، والطريقة التي تتم بها إدارة الحملة الانتخابية. وخلال عملية تتبع قصة صعود أولاند السياسي لا يخفي الكاتب، وهو من أسرة شيوعية، وذو ميول يسارية معلنة، تخليه عن أية أوهام موضوعية في حديثه عن الزعيم الاشتراكي، وهو في ذلك يتمثل المقولة الشهيرة التي تذهب إلى أن الموضوعية في السياسة والأحوال الإنسانية عموماً مستحيلة، ولذا فإن أقصى الموضوعية، في هذه الحالة، هو أن يعلن المرء موقفه من البداية. ولذا راح الكاتب منطلقاً من موقفه المسبق يؤرخ لكيفية تغلب أولاند بذكاء على كافة المصاعب التي اعترضت طريقه إلى قصر الأليزيه، مبرزاً بعض سجاياه ومناقبه الشخصية، على رغم صعوبة الإمساك بكافة تفاصيلها خلال التعامل مع رجل سياسة محنك بكل هذه الخبرة وصعوبة المراس، كما يُفيض في نقل مواقف وتقديرات بعض مساعدي الرئيس خلال الحملة الانتخابية، الذين كان بعضهم غير متفائل بإمكانية اكتمال قصة صعود أولاند الصعبة. بل إن "بينيه" في غمرات تأريخه لأجواء هذه الحملة الانتخابية المشحونة يقول إن الحملات الانتخابية هي عادة اللحظة الأكثر هستيرية في النظام الديمقراطي، وذلك لأن الأمور فيها تتقلب في جميع الاتجاهات، وأيضاً لأن بعض الفاعلين السياسيين والإعلاميين يصابون بما يشبه لوثة جنون وانفعال تخرجهم عن طورهم إلى أبعد حد، وهنا يحسب لأولاند أنه حتى في أشد لحظات الحملات الانتخابية سخونة واستقطاباً، وفي أكثر لحظات الانكسار والسعار الإعلامي المضاد يظل محافظاً على هدوئه الشديد، ورصانة الحكم والتقدير والتصريح، في كل ما يصدر عنه. وهذه سجية نادرة في صفوف الزعماء السياسيين الفرنسيين، خلال الحملات الانتخابية، حيث تستفزهم عادة وسائل الإعلام المحسوبة على الطرف الآخر، وتخرج أحياناً أسوأ ما عندهم من سوقية لغة، وسوء طباع. ولكن مع ذلك لم يجعل الكاتب أيضاً كل ما في كتابه تأريخاً مناقبياً مادحاً للزعيم الاشتراكي، فقد نقل كذلك أحياناً ما يوجه له من انتقادات، خاصة منها تلك المتعلقة بعدم وضوح رؤيته في كيفية التعامل مع بعض المآزق الاقتصادية التي تواجه فرنسا، وأوروبا استطراداً، منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية. وفي هذا الإطار ينقل الكاتب في الصفحة 65 عمن سيصبح وزير العمل ميشل سابين وصفه لخطاب أولاند حول إمكانية إنعاش القطاع الصناعي الفرنسي المأزوم و"منزوع التصنيع"، بأنه "خطاب أجوف"، وذلك لأن "خطاب أولاند لا يقدم أية تدابير ملموسة" لمعالجة مشكلات الإنتاجية الصناعية الفرنسية. وقد التقط هذه الجزئية بالذات كثير من منتقدي أولاند في الإعلام الفرنسي الذين يكررون الآن أن حكومة الزعيم الاشتراكي ليست لديها أية تصورات محددة عن إمكانية حل مشكلات البلاد المالية والاقتصادية الكثيرة كمشكلة البطالة، أو إنعاش قطاع صناعة السيارات، وإعادة معدلات نمو معقولة، أحرى أن يكون في مقدورها إيجاد حلول خلاقة لأزمة "اليورو" الخانقة. ودليل هؤلاء أن عهد أولاند ما زال يدور حتى الآن في اجترار الحلول الخطابية، التي لا تترجم فيها الأقوال إلى أفعال. هذا زيادة على الدليل الآخر، وهو اعتراف بعض أكثر المقربين منه بمحدودية تصوراته لحل المشكلات الاقتصادية. حسن ولد المختار الكتاب: لم يجر شيء كما كان متوقعاً المؤلف: لوران بينيه الناشر: جراسيه تاريخ النشر: 2012