قبل أزيد من 150 عاماً في أميركا، كانت شبكة من الطرق السرية والمنازل الآمنة تسمح للعبيد بالفرار من جحيم الاسترقاق في الجنوب ومعانقة الحرية في الشمال أو في كندا. واليوم، ثمة شبكة مماثلة أنشأتها منظمات إنسانية وبعثات تبشيرية مسيحية، إضافة إلى بعض المهربين والوسطاء، من أجل مساعدة الكوريين الشماليين على الهرب من بلدهم، الذي تُحظر فيه حرية التعبير والدين والتنقل ويعمل فيه نحو 200 ألف نزيل بمعسكرات عمل ستالينية. ومن بين الفارين نساء كوريات شماليات تم بيعهن لمواخير كعاهرات، أو إلى فلاحين صينيين كزوجات رغماً عنهن؛ ومنشقون يحملون معهم أسرار دولة؛ ورجال ونساء وأطفال هربوا بحثاً عن الطعام وحياة أفضل. وهناك أيضا أسرى حرب من زمن الحرب الكورية يريدون العودة إلى وطنهم وأهلهم في "الجنوب". وبشكل عام، تشير التقديرات إلى أن نحو 24 ألف كوري شمالي تمكنوا حتى الآن من الهرب، وأن عشرات الآلاف يختبئون حالياً في جيوب شمال شرق الصين، حيث يواجهون خطر ترحيلهم من قبل النظام الصيني. كتاب ميلاني كُركباتريك، "الهرب من كوريا الشمالية... القصة غير المروية لشبكة الطرق السرية الآسيوية"، يحكي قصة مهمة ومؤثرة عن هؤلاء اللاجئين الكوريين الشماليين ومن يمدون لهم يد المساعدة. وفيه ترصد الكاتبة والصحفية الأميركية الرحلة المحفوفة بالمخاطر التي يضطر هؤلاء المواطنون الشماليون للإقدام عليها: عبور الحدود مع الصين أولًا، ثم القيام برحلة طويلة شاقة وخطيرة عبر الصين للوصول إلى بلد آخر، يكون عادة في جنوب شرق آسيا؛ ومن هناك -إذا حالفهم الحظ- يجدون ملاذاً آمناً في كوريا الجنوبية أو الغرب. أما اللاجئون غير المحظوظين الذين يُلقى عليهم القبض من قبل الصينيين، فيرحَّلون إلى كوريا الشمالية باعتبارهم "مهاجرين اقتصاديين"، وهو وضع "يتجاهل الطريقة الوحشية التي تعامل بها بيونج يانج شعبها"، تقول كركباتريك. كل قصة هرب هي قصة خاصة، وكل قصة لديها تحدياتها الخاصة ومخاوفها الشخصية، تقول المؤلفة. وبالطبع فإن الشجاعة والجلد الشخصيين يلعبان دوراً كبيراً، إلا أنه "وراء كل رحلة ناجحة مجموعة من العمال الذين يسهمون في تحويل ذلك إلى حقيقة؛ إذ لا يستطيع أي كوري شمالي الصمود طويلًا في الصين من دون مساعدة، مثلما لا يستطيع أي كوري شمالي الخروج من الصين بمفرده". وإضافة إلى تقديم تفاصيل قصص هرب بطولية، تعيد كركباتريك حكي قصص مؤثرة حول الفشل الذي يؤدي إلى "عقوبات، السجن عادة" لمن يساعد الهاربين؛ و"التوقيف والترحيل والموت ربما" للهاربين أنفسهم. وعبر ثنايا الكتاب، تدعو كركباتريك واشنطن وسيؤول وبقية المجتمع الدولي إلى وضع حقوق الإنسان عموماً، واللاجئين بشكل خاص، في صلب المفاوضات مع بيونج يانج. كما تحث السياسيين وزعماء المنظمات الدولية على "استغلال شبكة الطرق السرية الجديدة، ودعم قدرات الكوريين الشماليين الذين يعيشون في الخارج، ووضع سياسات تسرع عملية التحرير وإعادة التوحيد". وتجادل في هذا السياق بأنه ربما يمكن إقناع الصين بأن تكون بمثابة "محطة طريق بالنسبة لللاجئين الكوريين الشماليين، مكان يمكثون فيه لفترة قصيرة قبل أن يتم نقلهم إلى منشآت إعادة توطين في بلدان أخرى". كما تدعو إلى السماح للمفوض السامي للاجئين بالعمل على الحدود الصينية الكورية الشمالية، وتقديم حماية فورية. وتلفت كركباتريك إلى أن توسيع طرق الهرب الآسيوية لن يساعد اللاجئين فحسب، وإنما يمكن أن يكون أيضاً بمثابة "إسفين يفتح شقاً في بلد أغلق وعزل عن العالم الخارجي منذ وقت طويل". ومثلما أطلع العبيد الهاربون الأميركيين الذين في الشمال حول هول وفظاعات العبودية، فإن الهاربين الكوريين الشماليين يستطيعون إخبار العالم بحقيقة ما يجري في البلد الشمولي الذي فروا منه. وتعترف الكاتبة بأن التحديات اللوجستية لجعل شبكة الطرق السرية علنية صعبة ومعقدة؛ إلا أنه لا يمكن نفي أن طرق الهرب الموجودة حاليا تمثل بريق أمل صغير وسط بؤس الحياة اليومية في كوريا الشمالية. وفي هذا السياق، تقول المؤلفة إن شبكة الطرق السرية الجديدة هذه تمثل "خبرا سارا يبشر بمستقبل أسعد لذلك البلد الحزين، في وقت عزت فيه الأخبار السارة". محمد وقيف ------- الكتاب: الهرب من كوريا الشمالية... القصة غير المروية لشبكة الطرق السرية الآسيوية