ذكرنا في المقالة السابقة القسم الأول من الآثار السلبية للثورة السورية، وكانت ستة عناصر هي: الشرخ السني الشيعي العلوي، وانفجار نار الأحقاد والغرائز البدائية، والبديل الغامض، والكلفة الباهظة للثورة، ونجاح النظام السوري في فرض لاءاته الثلاث المضادة، وأخيراً نمو التطرف الحدي. وفي هذه المقالة نرصد ونستكمل بقية العناصر: 7 -الانفوميديا ليست حيادية تماماً: في ضوء الاستقطاب الحاد للأطراف المتحاربة، أصبحنا أمام حرب يشرع فيها الكذب والاحتيال والمراوغة. لذا ظهر التحيز في القنوات بطريقة ذكية، يزعم كل طرف أنه حيادي وهو ليس كذلك. كان العنف والقسوة المفرطان من النظام سبباً في دفع الأمور إلى حافة الهاوية. وكان الأسد منذ البداية يمشي بخطة انتحارية، وقد دفع الأمور نحو الهاوية! إنها حركة نكس في التاريخ أن تولد الملكيات من رحم الجمهوريات وتحت عنوان كبير هو الاشتراكية والثورة. 8 -التحدي للأسلوب السلمي: هل فشلت نظرية اللاعنف؟ إن الأمر يحتاج إلى جرعة خاصة في مواجهة نظام شمولي، وهذا أمر يدعو للدراسة العميقة. لقد نجح الأسلوب السلمي في إطاحة ثلاثة أنظمة في بدايات "الربيع العربي". عرضت مجلة "دير شبيجل" الألمانية أوضاع المنطقة، وذكرت أن أشدها استعصاءً وتشابهاً هو نظام القذافي والأسد! الأول يقذف باللهب مثل رأس تنين. والثاني نظام برأس ديناصور لاحم بعدد من الأجهزة الأمنية لا يسمح بأي هامش من حرية التفكير والتعبير، في تكريس لأبدية أشخاص فانين، يحرسه مليون شبيح، ومليون مخبر وثلاثة ملايين منتفع. 9 -ورطة التسلح: مع انزلاق الثورة إلى التسلح وإعلان حرب تحرير شعبية وقعت في مستنقع ليس الخروج منه سهلاً بحال. هنا تظهر لا أخلاقية العالم ولا إنسانيته أن يسمح بتمرير مثل هذه المجازر وهو يستطيع منعها أو تخفيف ويلاتها! التسلح ورطة للثورة، ودخول دول على الخط، ومصادر تمويل على الخط، تحمل أجندات خاصة في خطة التغيير، وفشل الثورة المسلحة معناه تدمير نسيج المجتمع من نظام جريح متغول. 10 -اللعبة الدولية: ربما لسرقة الثورات من أيدي الشعوب. يظهر هذا كذلك واضحاً في سوريا من أجل إنهاكها؛ فمعظم المدن تدمرت، وتكاليف البناء سوف تتجاوز التريليون دولار، ورحلة إعمار لمدة ربع قرن على الأقل. يذكرنا هذا بنموذج الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثماني سنين عجاف مات فيها مليون شاب تمدها 30 دولة بالسلاح. 11-استقطاب قوى متطرفة من الجهتين: يقال إنه في حلب يقاتل عقائديون قساة من السنة والشيعة وجهاً لوجه؛ عناصر من "حزب الله" دخلت على الخط، ومجاهدون عرب وشيشان. فهل أعدنا معركة صفين أم أننا على أبواب مذابح مذهبية تلتهم نارها مفاصل المنطقة؟ 12-مخاطر تفكك الدول إلى دويلات طائفية: وهذا كابوس ولو كان في صورة "فكرة". فبينما تنمو أوربا إلى اتحاد يضم 27 دولة فيها 450 مليوناً من الأنام، وتكافح بعناد عن اليورو، تبدأ عندنا رحلة التشظي، وولادة دويلات خرافية! إنها تبعات سياسات قصيرة النظر.