إنجاز مهم حققه الفلسطينيون في الأمم المتحدة وقد تمثل في منحهم صفة دولة غير عضو مراقب في المنظمة الدولية، رغم التحديات الصعبة التي واجهها الوفد الفلسطيني في طريقه إلى تحقيق ذلك الهدف، وأهمها التهديدات والضغوط الإسرائيلية والأميركية التي تركزت على مطالبة الوفد بإدخال تعديلات على نص المشروع المقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وتضمينه تعهدات بعدم التقديم لنيل عضوية المحكمة الجنائية الدولية. وأهمية هذا الاعتراف كونه خطوة على طريق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ونقلة نحو تغيير مسار التعامل مع الاحتلال والعمل على إعادة الروح للوحدة الوطنية وتوحيد الصف الفلسطيني، وتفعيل كل الإمكانيات التي تمنحها هذه العضوية للفلسطينيين بصورة تخدم القضية؛ مثل طلب الانضمام لمنظمات ومواثيق دولية، والذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية لمطالبتها في التحقيق في كل الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني. إسرائيل فزعت بقوة من هذا الاعتراف لأن الذهنية الاستعمارية، في صراعها مع الشعب الذي تحتله، لا تريد له أن يخرج من القيود الحديدية التي تفرضها عليه، فهي بقاؤه خاضعاً لها بشكل دائم... لذلك فقد اعتبرت هذا الاعتراف بمثابة تهديد لأمنها، وهددت بالتخلي عن اتفاق أوسلو، وبمزيد من الخنق للشعب الفلسطيني اقتصادياً، وأقدمت عملياً على بناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية استيطانية، وهددت بخطوات أخرى أكثر حدة. لكن الذي أخاف إسرائيل أكثر هو التغير الذي حدث في الخطاب الأوروبي ولغته الجديدة، حيث استبدل موضوع التعاطف بالمساءلة والاحتجاج، بعد أن أدرك الرأي العام الأوروبي أخيراً أن إسرائيل عدوة للسلام العالمي، وأنها تعوق إيجاد علاقات إيجابية بالعالم العربي. وهو ما صورته الصحافة الإسرائيلية، حيث رأت صحيفة "هآرتس" (2012/12/3) في افتتاحيتها أن هذا التصويت لمصلحة الاعتراف بفلسطين كمراقب غير عضو في الأمم المتحدة، يمثل احتجاجاً من الدول الغربية على سياسة إسرائيل، لأن العالم غير مستعد لقبول إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي لدولة فلسطينية، في الوقت الذي يعمل فيه من أجل منع إمكانية حدوث ذلك. وكتب شمعون شيفر في "يديعوت أحرانوت" (2012/12/4)، تحت عنوان "نحن سندفع"، أن مسؤولاً أوروبياً رفيعاً حدّثه عن الدور القادم لأوروبا، وأنها لن تكتفي بعد اليوم بالتنديد بالممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وأن الإسرائيليين سيشعرون منذ الآن على جلودهم بثمن قرارات قادتهم. وكتب نحامياشترسلر في "هآرتس" (2012/12/4) تحت عنوان "العالم كله ضدنا"، أن إسرائيل اليوم في حضيض استراتيجي عالمي وفي عزلة خانقة، فالعالم كله يضربنا في ابتهاج، ودول مركزية في أوروبا تنسق إجراءات بحقنا. وكتب شالوم يروشالمي في "معاريف" (2012/12/4) في مقاله "وحدنا في مواجهة العالم" يقول: سنوات طويلة والناس يحذروننا من أننا لا يمكننا الوقوف وحدنا أمام كل العالم، سنوات طويلة والناس يشرحون لنا بأن حل الدولتين هو الوحيد الذي يمكنه أن يكون وارداً، سنوات طويلة يهددوننا بالعقوبات... لكننا صعبو المراس، ونرفض الإنصاف ونسأل باحتقار: ومن هو هذا العالم؟ سنوات يشرحون لنتنياهو بأن أوروبا تغيرت، وأن ملايين المسلمين الذين اجتاحوا القارة يقررون السياسة بقدر كبير. ثم يتابع الكاتب قائلاً: في اللقاء الشهير بين ساركوزي ونتنياهو في 2009، تفوّه الرئيس السابق فقال: في فرنسا يوجد ثمانية ملايين مسلم، كلهم معهم صحون لاقطة للأقمار الصناعية، وهم يرون كل ما يحصل لديكم، وذلك يشعل النار في أوروبا كلها.