بديهي أن يحب المواطن وطنه، ويوطن نفسه وكل ما يملك لخدمته والسعي الدائم لرفعة شأنه في العوالم كلها، لأنه حقاً يستحق ذلك وبجدارة. في مدخل إحدى المؤسسات قابلني أحدهم مبتهجاً، تتفتح أساريره عن أفراح جمة في فرحة كبرى تمشي على الأرض، وإذا به يعرض علي رسالة نصية وصلته للتو من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، تهنئه شخصياً باليوم الوطني الحادي والأربعين للدولة. وتكاد رجلاه لا تحملانه من شدة الحبور وصدمة السرور المفاجئ، ولسانه عاجز عن التعبير عما يختلج في صدره، فقال مقسماً بالله، سأجعل من هذه الرسالة وثيقة في برواز احتفظ بها على مدى الحياة. لقد عشت عقوداً من عمري في ظل حكومة زال نظامها، ولو تلقينا يوماً واحداً خلال تلك الفترة من المعاناة مثل هذه الرسالة الحميمية، ما و صل الحال إلى هذا المآل الذي لم يستقر بعد على حال. إنني أهنئ هذا الشعب على هذه القيادة الدؤوبة، وهي تسعى لإرضاء مواطنيها بشتى السبل، والأمر لا يقتصر في إطار الماديات، لأن روح الاتحاد التي تجمع بين قلوب القيادة والشعب هي التي أوصلت هذه الدولة الشامخة إلى ما هي عليه من العز والمنعة والتقدم في مختلف المجالات التي ذهبت بها إلى العالمية في الكثير من قطاعاتها. ولست مبالغاً إذا ما أقررت بأن أول تهنئة بهذا اليوم الوطني الأغر جاءتني من أحد المقيمين الذي لم تقل فرحته ومشاركته عن المواطنين، وهذا الرصيد الثمين هو الجزء الآخر من وجه احتفالية الدولة بكافة شرائحها السكانية بفرحة الاتحاد. فلم نشعر بأننا نعيش فرحتين، فرحة للمواطنين وأخرى للمقيمين، بل الجميع تذوق الفرحة الكبرى في الدولة التي امتدت مظلتها إلى جميع القاطنين على أرضنا التي تنبض بالحياة والعطاء المستمر. يقول آخر، كيف أقنع أبنائي الآن الذين ولدوا في هذه الأرض وترعرعوا مع أبناء هذا الوطن، بأنه سوف يأتي يوم ونغادر هذا المكان الحميم، وهم يحتفلون بهذه المناسبة العزيزة على قلوبنا، وبشكل فطري دون أن ندفعهم إلى ذلك، أو نوجههم ولو بكلمة الوفاء الصادق، إنها لحظات صعبة على النفس لأنه في بعض البلدان تمر المناسبات الوطنية تلو الأخرى فلا يشعر الفرد فيها أنه المعني بذلك، أما هنا في قلب الإمارات، فكان للمواطن والمقيم، السائح والزائر، كل هؤلاء جمعهم شعور واحد، لأن الإمارات أصبحت اليوم الأم الأحنى على العابر والمقيم. فالاحتفالات لم تنته بعد بيوم الاتحاد، لأن الاحتفالات المستمرة هي التي تتواصل طوال العام، بل العقود القادمة بتقديم المزيد من الإنجازات النوعية التي تستحق فعلاً احتفالية خاصة في المناسبات القادمة، سواء كانت سنوية أو ذهبية أو بلاتينية. فروح الاتحاد هي التي توجه سارية السفينة نحو مستقبل مشرق وواعد نبنيه يوماً بيوم، حتى تجني ثماره الأجيال المقبلة، فتعترف بأن العطاء في الماضي لم يكن مقصوراً على جيل المؤسسين، لأنهم بنوا صرحاً ممتداً يمد كل الأجيال من روحه.