في اتصال هاتفي ببرنامج يعرض في فضائية تبث من الولايات المتحدة، طرح أحد المتصلين رأياً غريباً لكنه جدير بالاهتمام، إذ قال إن الشاه هو من فرش سجادة السُلطة أمام قدمي الخميني، فلو لم يكن الشاه سيئاً لما التفّ الشعب الإيراني حول رجال الدين، ثم استدرك قائلاً: وكنت من الذين نزلوا إلى الشوارع عشية الثورة، وهنا ارتكب الشاه خطأه الأخير، إذ كان عليه أن يقطع رجلي لئلا أخرج ضده. وإذا كان كارهو التغيير، خصوصاً من المثقفين والكتّاب الخليجيين، سيفرحون باستدراك ذلك الإيراني، فإن عليهم أن ينتبهوا للمقطع الأول من كلامه، إذ كلما حدثت انتكاسة في دول «الربيع العربي»، وظهر تخبط الحكام الجدد من الإسلاميين، أشار هؤلاء الكتاب والمثقفين إلى بُعد نظرهم، وأنهم لم ينساقوا وراء الأحلام مثل غيرهم، وأنهم أكّدوا مراراً وتكراراً بأن جماعات الإسلام السياسي تستغل تدين الناس للانقضاض على الحكم، وأنه ربيع «الإخوان» وخريف الشعوب، وأن القادم أسوأ. هذه مشكلة تحتاج إلى حل، فلا يصح أن نلوم الثمرة في كل مرة وننسى الشجرة، وما دمنا نقول إن القادم أسوأ، فهذا يعني ضمناً أن الذي كان موجوداً لم يكن إلا سيئاً، وعليه هو أن يجيب على السؤال: لماذا كنت سيئاً يا طاغية إلى درجة دفعت بشعبك للتخلص منك وانتخاب أو جلب من هو أسوأ منك؟ ولم يعد صدّام موجوداً بيننا لنسأله هذا السؤال، ولا القذافي، وحتى من بقوا أحياء من الحكام السابقين، فإن سؤالهم لا معنى له، بل السؤال ينبغي ألا يوجه إليهم من الأساس، وإنما لجماعة «القادم أسوأ»، خصوصاً في الدول التي لا تزال في مأمن من رياح التغيير. وإذا كانت جماعة «القادم أسوأ» تقارن في كل خيط ترميه الأنظمة الجديدة لتستدرج شعوبها نحو الديكتاتورية الدينية، وبين الخيوط التي استعملها نظام رجال الدين في إيران للإيقاع بالشعب الإيراني في مصيدة «ولاية الفقيه»، فإن على الجماعة نفسها واجب التحذير من الوقوع في الأخطاء التي ارتكبها الشاه حتى ثار شعبه ضده. لا يمكن أن نضع «ولاية الفقيه» نصب أعيننا في الليل والنهار، ولا نلقي في الوقت نفسه ولو نظرة واحدة على الطاووس الشاهنشاهي الذي باض «ولاية الفقيه». تقول جماعة "القادم أسوأ" إن نظام بغداد أصبح النسخة العراقية من «ولاية الفقيه»، وأن مصر تتجه نحو التحول إلى النسخة السُنية من «ولاية الفقيه»، خصوصاً بعد التطورات الأخيرة، وأن عباءة «الولي الفقيه» تخاط في تونس، وربما في ليبيا، وغداً في سوريا. لكن لا أحد يتحدث عن عوامل سقوط نظام قوي كنظام الشاه، وفّر للإيرانيين الكثير من مقومات العيش الكريم، وكان الشاه رحيماً بشعبه قياساً على من خلفه في الحكم، لكنه ارتكب أخطاء فادحة لولاها لبقيت «ولاية الفقيه» نظرية مغمورة نائمة في بطون الكتب.