إن وقوف حكومة المحافظين في كندا بقيادة هاربر يوم الخميس الماضي في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد موقف الأغلبية (138 دولة) الذي يرفع وضع فلسطين في الأمم المتحدة لم يثر غضب واستهجان ومعارضة المواطنين الكنديين -العرب والمسلمين وحدهم، بل إنه وجد أيضاً معارضة واستهجاناً في أوساط الكنديين المعارضين لحكومة هاربر، والمنظمات غير الحكومية ومن بينها منظمات ظلت تحظى باحترام وتمويل الحكومات الكندية منذ وقت طويل سابق لتولي هاربر وحزبه السلطة في البلاد. وقد أثار موقف هاربر ووزير خارجيته المتشدد في انحيازها القوي إلى جانب إسرائيل ضد الفلسطينيين تساؤلات مشروعة من جانب كثير من السياسيين والكتاب والصحفيين الكنديين حول هذا الموقف «الغريب»، الذي وصل إلى درجة أن يعلن رئيس وزراء كندا أنه حليف صادق لإسرائيل، ويعتبر أن أي «عدوان» على إسرائيل هو عدوان على كندا. ومن هذه التساؤلات المثارة هنا، بل قُل الاتهامات الموجهة لسياسة حكومة هاربر في الشرق الأوسط وخاصة الموقف من النزاع العربي الإسرائيلي، أنه قد خرج عن تقاليد السياسة القومية المستقرة منذ أربعينيات القرن الماضي، إذ إن كندا قد اختارت أن تقف موقف الدولة غير المنحازة والساعية لتحقيق السلام بين العرب والدولة العبرية، مؤيدة قرار الأمم المتحدة بقيام دولتين (عربية وأخرى يهودية) في أرض فلسطين. وظل هذا الموقف يجد الاحترام من العرب، وظل اسم كندا رمزاً للدولة المسالمة والساعية للسلام في العالم وصاحبة الاقتراح الرائد بتأسيس قوات الأمم المتحدة للطوارئ الدولية. ولعل أول الاتهامات أن حكومة هاربر بموقفها هذا تعزل كندا في الشرق الأوسط وبلاد المسلمين وتضحي بمصالحها وعلاقاتها من أجل خاطر إسرائيل، وقد انتقد بعض الكتاب موقف وزير الخارجية الكندي في الجمعية العامة وتصريحاته العنيفة ضد مشروع القرار الأممي وتهديده باتخاذ خطوات ضد السلطة الفلسطينية، مؤكدة بذلك ما سبق أن صرح به رئيسه منذ أسابيع قبل اجتماع الجمعية العامة بأن (كندا قد تتخذ خطوات معينة ضد السلطة الفلسطينية لو لم تستجب للنصائح وتسحب مشروع القرار)، وهو يعني بذلك قطع المعونة المالية التي التزمت بها حكومات كندية سابقة! لقد أحسنت حنان عشراوي القول عندما صرحت لبعض الصحف الكندية قائلة إنها مستاءة من موقف كندا هذا، ولكنها ليست مستغربة لمعارضة ظلت تتخذ مواقف شديدة العداء ضد الفلسطينيين، وهي مواقف يراها الفلسطينيون والعالم العربي صادرة عن تأييد أعمى لإسرائيل وللاحتلال الإسرائيلي. وأضافت ولكننا نعلم أن الشعب الكندي لا يقر ولا يؤيد هذه السياسات العدائية ضد الفلسطينيين، والمنحازة لإسرائيل، وهذه السياسة لن تؤثر على الفلسطينيين ولكنها ستؤثر على كندا وسمعتها في المجتمع الدولي. إن النجاح التاريخي الذي حققته القيادة الفلسطينية يوم الخميس الماضي سيمكن السلطة الفلسطينية من الحصول على عضوية منظمات ووكالات الأمم المتحدة مثل هيئة الصحة العالمية والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية.. الخ. وسيمكن فلسطين من المشاركة والمساهمة في مناقشات الجمعية العامة. وهذا النجاح الفلسطيني يحتاج إلى دعم الدول العربية الشقيقة، أما بالنسبة إلى موقف حكومة هاربر هذا فإن خير ما يفعله العرب هو أن يردوا عليه بتكثيف الضغوط وهم لو اتخذوا الموقف الصحيح والسليم فإنه بذلك سيقوِّي موقف القوى السياسية والاجتماعية الكندية التي ترى أن سياسة هاربر هذه تضر بالمصالح الوطنية الكندية في العالم العربي- الإسلامي.