قبل التصويت على رفع مكانة فلسطين إلى دولة مراقب يوم 29 نوفمبر الماضي بالجمعية العامة، أبدى القادة الإسرائيليون استخفافاً شديداً بنتائج هذه الخطوة واعتبروها عديمة القيمة من الناحية العملية ووصفوها بأنها مجرد اجراء رمزي لا يغير من الواقع شيئاً. وبعد التصويت قرر نفس القادة معاقبة الفلسطينيين باتخاذ قرار إنشاء ثلاثة آلاف وحدة سكنية جديدة في مستوطنات القدس الشرقية والضفة الغربية والبناء في المنطقة E1 وهي منطقة يعني البناء فيها فصل شمال الضفة عن جنوبها وتمزيق أوصال الدولة الفلسطينية. بنفس العجرفة أصدر القادة الإسرائيليون ردود أفعال على الاحتجاجات الأوروبية والأميركية تقول ما معناه إن إسرائيل لن تتراجع عن خطة التوسع الاستيطاني، وإنها ستواصل الدفاع عن مصالحها الحيوية في وجه الضغوط الدولية، ولن يطرأ تغيير على القرار الذي اتخذ. الأمر الجديد الذي لا يدركه القادة الإسرائيليون أن العالم قد اعترف بالدولة الفلسطينية كمراقب بأغلبية جارفة 138 دولة مؤيدة وبمعارضة هزيلة من ست دول فقط في العالم وامتناع باقي أعضاء الجمعية البالغ أعضاؤها 193 عضواً. لم ينتبه قادة «اليمين» الإسرائيلي بعد إلى المغزى القانوني لهذا الاعتراف وتعاملوا معه على أنه بيان دولي فارغ من القوة جاء ليقدم ترضية رمزية ومعنوية للسلطة الفلسطينية بعد الانتصار الذي حققته «حماس» وغزة في عملية «عمود السحاب». ولم يفطنوا إلى معنى تحول موقف بريطانيا وألمانيا من رفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى الامتناع عن التصويت، وإلى كونه مؤشراً على الانفصال عن الانحياز الأعمى لسياسات إسرائيل. باختصار ما زالت العجرفة وسياسات وأطماع التوسع تعمي أبصار «اليمين» الحاكم في إسرائيل، عن رؤية الأنياب القانونية والدولية التي أصبح الفلسطينيون يمتلكونها نتيجة الاعتراف بدولتهم. لقد أصبح العالم الغربي الذي مارس التحيز لإسرائيل منذ وعد بلفور1917 وحتى الأمس القريب، غير قادر بسبب الوضع القانوني الجديد للضفة الغربية، على مواصلة سياسات التحيز نفسها. فلم يعد الاستيطان يجري في إقليم كيان غامض غير محدد الهوية السياسية كما كان الأمر قبل 29 نوفمبر، بل أصبح هذا الاستيطان عدواناً بكل المعاني القانونية على إقليم دولة أخرى. هذه حقيقة لا يستطيع الغرب تجاهلها، أضف إلى ذلك قدرة الدولة الفلسطينية الآن على تقديم شكوى رسمية أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد قادة إسرائيل لانتهاكهم القانون الدولي، بالعدوان على إقليم دولة خاضعة لاحتلال حيث يمنع القانون سلطة الاحتلال من اجراء تغييرات جغرافية أو سكانية في الإقليم المحتل. لقد واصل قادة اليمين الإجرام المعرف بالقانون الدولي وواصلوا تحدي العالم والاستخفاف بقيام ست دول باستدعاء السفراء الإسرائيليين لابلاغهم الاحتجاج على قرار الاستيطان، وهي بريطانيا وفرنسا وإسبانيا والسويد والدانمارك وأستراليا. إنهم لا يدرون أن هذه الدول مدعومة من أوباما الذي دعم إسرائيل في الأمم المتحدة دون أن يدور بخلده أنها ستوجه إليه صفعة الاستيطان الأسبوع التالي على حد قول د. آلون ليئيل المدير العام السابق للخارجية الإسرائيلية. لقد تنبأ الرجل ومعه د. يوسي شتاين أستاذ العلوم السياسية أن يتصاعد الموقف الأوروبي والأميركي ليصل إلى عقوبات فعلية ضد حكومة إسرائيل، فهل يدرك قادة إسرائيل أنه قد أصبح للفلسطينيين أنياب قانونية ودولية؟ د. إبراهيم البحراوي أستاذ الدراسات العبرية - جامعة عين شمس