نجحت انتخابات الكويت ومرت بسلاسة وهدوء وسلام رغم وعيد وتهديد المعارضين والمقاطعين، وأفرزت مجلساً برلمانياً يمثل كافة مكونات المجتمع الكويتي. عادت المرأة الكويتية بقوة وحصدت ثلاثة مقاعد غنية، وحصلت على نسب من الأصوات مرتفعة ومراكز متقدمة، وهي التي كانت محرومة من تمثيل مجتمعها في المجلس الذكوري السابق مع أنها تمثل أكثر من نصف المجتمع. وكان عدد المرشحات اللاتي تقدمن للترشيح أربع عشرة امرأة. وقد لعبت المرأة في هذه الانتخابات دوراً بارزاً، حيث قلبت الموازين وصححت المسار الديمقراطي وتحدت الموروث الذكوري. ويذكر في هذا المجال أن المرشحة ذكرى الرشيدي حصلت على مركز متقدم محققة إنجازاً كبيراً في دائرة محكومة بالموروث القبلي، فمن كان يتصور نجاح امرأة في منطقة لا ترى أهلية المرأة للولاية العامة؟! الأقليات المهمشة والقبائل الصغيرة التي حرمت من التمثيل في المجلس السابق، أصبح لها تمثيل عادل في المجلس الجديد. أما القبائل التي قاطعت، فعلى نفسها جنت ولا يلومن أحد إلا نفسه. كما حقق الشيعة إنجازاً كبيراً إذ حصلوا على سبعة عشر مقعداً لأول مرة في تاريخ انتخابات الكويت، كما فازوا بنسب أصوات انتخابية مرتفعة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مقدار توافر عنصر التسامح لدى الناخب الكويتي في مختلف الدوائر الانتخابية وغياب أجواء التعصب والتكتلات البغيضة والحملات المحرضة على الكرهية، والتي كانت تسود الانتخابات السابقة. لقد كان التسامح كبيراً إذ كان الشيعي ينتخب السني، والسني ينتخب الشيعي، لقد فاز نواب شيعة في دوائر غالبيتها سنية والعكس صحيح، وهذا أكبر دليل على نجاح نظام الصوت الواحد في تحقيق أهدافه، سواء فيما يتعلق بتحقيق التمثيل العادل للأقليات والمهمشين، أو فيما يتصل بكسر احتكار التكتلات العصبوية والتي كانت تهيمن على الأصوات وتقصي الآخرين عبر الانتخابات الفرعية المجرّمة قانوناً وعبر التربيطات والتحالفات وتبادل الأصوات، مما شكل حائطاً منيعاً أمام الشباب والمستقلين والمرأة والأقليات حال دون وصولهم إلى البرلمان، نظام الصوت الواحد قضى على هذه الشبكة الخطيرة المحبطة لتطلعات وآمال الشباب والمستقلين في الفوز والحصول على شرف تمثيل الأمة، ولذلك وجدنا في هذه الانتخابات نجاحاً كبيراً للوجوه الجديدة، والتي وصل عددها إلى ثلاثين وجهاً جديداً ومستقلاً. هؤلاء القادمون الجدد يأتون وهم يحملون رؤى جديدة وبرامج جديدة وأفكاراً جديدة، يحلمون بكويت المستقبل، كويت النماء والإنجاز، يريدون بدء صفحة جديدة، لقد سئموا مماحكات الكبار وملوا خطاباتهم التشنجية، يريدون طي صفحة الماضي والانطلاق إلى المستقبل. لقد أضاع النواب الكبار ممن يسمون أنفسهم رموز المعارضة وقتاً وجهداً ومالاً في منازعات عقيمة، وظّفوا البرلمان لتحقيق خدمات شخصية لهم ولأتباعهم فيما عرف بنواب الخدمات، واستغلوا أدوات الرقابة والمساءلة فيما يحقق مصالحهم الخاصة ومصالح تكتلاتهم على حساب القوانين والتشريعات العامة. لقد انتهى كل ذلك، ومضى عهد نواب الخدمات وبدأ عهد جديد شعاره البناء والتنمية والإنجاز، فلا عودة للوراء ولا رجوع للخلف، الشعب الكويتي يتطلع إلى المجلس الجديد بكثير من الأمل والتفاؤل في المستقبل، يريد مجلساً «متعاوناً» مع الحكومة في تنفيذ مشاريع التنمية المعطلة وفي إصدار تشريعات متطورة تواكب طموحات أهل الكويت وإمكانياتهم الهائلة في جعل الكويت بلداً مزدهراً ومركزاً ريادياً متقدماً: اقتصاداً وثقافة وإعلاماً وفناً. هؤلاء الذين يعضون أصابع الندم على ما فاتهم ووجدوا أنفسهم في الشارع بعد أن تجاوزهم قطار الانتخابات، ينشغلون بالتوافه ويرسلون الاتهامات جزافاً وكان الأجدر بهم احترام قواعد اللعبة الديمقراطية والاعتراف بالهزيمة ومراجعة الذات والإفادة من الأخطاء، على هؤلاء أن يدركوا ويفيقوا من الأوهام. إن المجلس اليوم حقيقة قائمة أفرزته انتخابات هي الأكثر نزاهة في تاريخ الكويت كله، وذلك بتقارير منظمات دولية، فلا أثر لمال سياسي ولا قضية في شراء الأصوات ولا وجود لانتخابات فرعية ولا تعديات ولا عنف ولا خطابات تحريضية ولا طعن ولا تشكيك ولا تخوين. ولا أكون مجازفاً إذا قلت وعن رؤية وتبصر، إن انتخابات الكويت الأخيرة هي الأرقى في مقاييس النزاهة الأخلاقية خلال تاريخ كافة الانتخابات العربية، لقد ساد خطاب راق بين المرشحين، ارتفع مستوى الخطاب بشكل لم نعهده من قبل، كان هناك تنافس خلاق بين المرشحين في طروحاتهم وبرامجهم في جو من الاحترام والآداب والقيم الراقية. خلت الانتخابات من المشاحنات ولغة التهديد والصراخ والطرح الغوغائي المتشنج. إن انتخابات الكويت الأخيرة كانت بحق، عرساً انتخابياً جميلاً، كما قالت المرشحة الفائزة صفاء هاشم. التعاون ليس تهمة كما يظن البعض، فالمادة (50) من الدستور الكويتي تنص على أن نظام الحكم يقوم على أساس فصل السلطات مع تعاونها، فذلك ما يقضي به الدستور نفسه، لقد سئم الكويتيون مجلساً عنترياً مؤزماً ومعرقلاً للعبور إلى كويت المستقبل، هنيئاً للكويت بمجلسها الجديد.