تستمر رحى الحرب التدميرية الظالمة التي يقودها النظام الأمني السوري منذ ما يقترب من العامين ضد سوريا الوطن. وتكاد مظاهر الخراب والدمار تغطِّي المشهد المأساوي كله بالدماء. أما الخطاب الرسمي فظل باقياً على صيغته الأولى-الأصل: مجموعات مسلحة ومؤامرة كونية تستهدف سوريا تدميراً وتخريباً. نعم، إن العين لتدمع، وإن القلب ليهلع عليك يا سوريا! والكل يتساءل عمّا إذا كان محتملاً، في هذا المعمعان، أن توجد كُوَّة للخروج من النفق المظلم. لماذا ترفض السلطة، مطالب الناس، بعد حكم استمر اثنين وأربعين عاماً من قِبل أولئك؟ ويبرز سؤال آخر يزيد المشكلة اضطراباً، وهو التالي: لماذا تستقوي السلطة بمن تعلن أنهم حلفاؤها في المقاومة وفي المصير المشترك، بينما ترى في موقف الانتفاضة طلبَ المساعدة من بلدان أجنبية، رذيلة لا تغتفر، خصوصاً أن سلوك المنتفضين في المواجهة العامة والمسلحة للنظام، جاء بعد أن أطلقت السلطة أول رصاصة على أولئك؟ وليس خافياً في هذا الموقف أن اللحظة التاريخية تمثّل رؤية منهجية لمسار الأحداث، بحيث لا يبقى من ابتدأ باستخدام السلاح مُماثِلاً لمِن كان الضحية، والمثل الشعبي القائل بأن «البادئ هو الأظلم»، يضع الأمور في نصابها العادل. والمثير والمستفز للعقل والحكمة والعدل أن النظام السوري حين لجأ إلى مَن يراهم حلفاءً له (وهم خصوصاً روسيا وإيران والصين)، لم يكن يعني طلباً في التحكيم العادل وغير المتحيّز بشكل فظ ضد شعبه فحسب. لقد كان ذلك استقواء بهؤلاء الحلفاء الذين استجابوا له دون موازنة عاقلة حكيمة. فـ«الفيتووات» التي أطلقها هؤلاء لم تنحزّ لعمية قتل سوريين مدنيين فحسب، بل جاءت كذلك بمثابتها سحقاً للعدل الدولي. وينبغي أن يَضاف إلى هذا الموقف أن ضحايا الموت لا يتحدرون من الشعب الأعزل فحسب، بل إن أولئك المقاتلين في الطريق المقابل هم أيضاً، وخصوصاً منهم المناهضين لخطط حلفا سوريا المذكورين في دعمهم المتمثل في أدوات القتل البسيطة والمتوسطة والكبيرة. لقد أخطأ رؤوس النظام السوري خطأ فاحشاً، حين اختاروا الحل الأمني العسكري، وفرّطوا بفرصة نادرة لاختيارهم حلاً سلمياً. فلقد جاء ذلك بمثابة كارثة للجميع، وكان من الأجدى أن يبرز مشروع في الإصلاح الوطني الديمقراطي، يجيب على الأسئلة الجديدة الكبرى والصغرى. كان ذلك حرياً أن يدفع العقلاء، على قلتهم، إلى المطالبة بالاستحقاقات، التي تفرض نفسها بعد عقود من الخذلان والإنكسار والفساد والاستبداد. وبالأساس، كان الإصلاح في سوريا مطلباً عادلاً وغير قابل للنكوص أو للإرجاء المتتالي. ولم يكن أمام النظام أو مجموعات منه، إلا فرصة واحدة، هي البدء بشجاعة وبقيادة القوى التاريخية، في استيلاد سوريا الوطنية الديمقراطية الجديدة بحيويتها التاريخية وبأنماطها البشرية المتعددة كما بتعدديتها السياسية والحزبية، وغيرها من أوجه الموزاييك السوسيوثقافي والحضاري. ونذكر أنه حين سقط الاتحاد السوفييتي، طلع علينا في مدينة حلب وغيرها من أعلن أن «التجربة السورية» هي وحدها التي ستستمر مظفَّرة «إلى الأبد». ولم يدْر هؤلاء أن المادة رقم 6 من الدستور السوفييتي هي التي كانت -مع غيرها من عوامل- وراء السقوط السوفييتي، وأن المادة رقم 8 من الدستور السوري والمأخوذة عن تلك السوفييتية، هي التي ستكون من وراء التصدع الذي يعيشه النظام السوري راهناً. ولم يدر الكثير من السلطة ومن حولها أن من يحمي هذا الوطن إنما يتمثل في قوته الشعبية التاريخية، وليس في وجود من يُطلق عليهم «سادة الوطن»، هكذا هو الحال، بل نرى أن كبار شخصيات الوطن هم من اكتشفوا مساره الحقيقي وعملوا على تحقيقه.