في الصباح وعلى مائدة الإفطار مع زوجتي وابنتي وابني، كانت إلى جانبنا سيدة خليجية مع ابنتها، بادرتنا بالسؤال: من أين أنتم؟ قلنا لها: من الإمارات؟ قالت ما الذي جاء بكم إلى لندن في هذا البرد!، أجابتها زوجتي: جئنا لإجراء بعض الفحوصات الطبية استفادة من إجازة العيد ولقضاء الإجازة أيضاً، قالت: «أحد يترك الإمارات في هذا الوقت! الناس كلهم ذاهبون إليكم، لقد قضينا بعض الأيام في باريس ثم جئنا إلى لندن، لكننا لم نشعر بالراحة فقررنا أنا وزوجي وأبنائي الذهاب إلى الإمارات لاستكمال بقية الإجازة وسنسافر اليوم، خاصة وأن بقية أفراد عائلتنا قد سبقونا إلى هناك». انطلقت بعدها السيدة تتحدث عن الإمارات وتطورها، والتقدم الذي حققته حتى أصبحت حاضرة في عقول الناس، في المساء كانت سيارة الأجرة تشق بنا عباب شوارع لندن، كنا نتداول الحديث وعندما توقفت السيارة عند الإشارة، التفت إلينا السائق وسألنا بالعربية: الأخوة عرب؟ أجبنا نعم: من أين؟ قلنا من الإمارات... كنا ننتظر سؤاله الثاني حين انطلق يتحدث عن الإمارات وعن مكانتها وما تحقق فيها من إنجازات خلال فترة قصيرة، سألته: هل زرت الإمارات؟ أجاب: أنا عربي أحمل الجنسية البريطانية وأقيم مع عائلتي، ومنذ سنوات قريبة ذهبت مع عائلتي لقضاء إجازة في الإمارات، كنا نحمل في أذهاننا تصوراً جيداً عنها، لكن حين رأيناها وجدنا أكثر مما رسمناه في أذهاننا، لم أكن أعتقد أن بلداً عربياً - وأنا العربي- يستطيع أن ينافس الدول الغربية في تقدمها ونُظمها وإنجازاتها، لكننا رأينا في الإمارات ما نتمناه لكل بلاد العرب، صمت قليلاً ثم أضاف، حين عدنا قررت مع عائلتي أن ننفق ما ادخرناه من مال في شراء شقة في الإمارات، وهذا ما تم بالفعل فقد اشترينا إحدى الشقق في إحدى المدن، نذهب إليها كلما تهيأت لنا الفرصة، قلت له مازحاً: لا أظن أنك أتيت في الصيف!، أجابني: قد تستغرب أني مع عائلتي قد قضينا شطراً من رمضان الماضي في الإمارت، وعلى الرغم من شدة الحر إلا أننا كنا سعداء بتلك الأيام الروحانية الجميلة التي لم نكن نحصل عليها في السابق. تذكرت هذين الموقفين، ونحن نمر بأيامنا الوطنية المجيدة، وكيف ينظر الآخرون إلينا، وكيف ننظر إلى أنفسنا، فما تحقق خلال العقود الأربعة الماضية لم يكن شيئاً يسيراً، وحين ننظر إلى الجهود التي بذلها الآباء المؤسسون للاتحاد نعلم مدى الجهد الذي قاموا به لننعم نحن اليوم بهذه الصورة المشرقة التي يرانا الآخرون بها. لقد ولدت الإمارات في مخاض صعب وسط تحولات سياسية إقليمية ودولية مضطربة، وصراعات قوى تحاول أن تفرض سيطرتها على المنطقة في الوقت الذي تنفض قوى أخرى يدها عنها، واضطرابات فكرية وأيديولوجية تجتاح العالم، لقد كانت الإمارات وقتها كالنبتة الصغيرة في ليل عاصف، لكنها استطاعت بصمود قادتها وأبنائها أن تبني دولة لها مكان تحت الشمس. لقد اجتمعت إرادة أبناء الإمارات على أن لا مستقبل لهم ولا تقدم لهم إلا باتحادهم، فقدموا من أجل ذلك مصلحة الاتحاد على مصالحهم الخاصة أو الفئوية أو المناطقية لكي يبنوا هذا الوطن، إن الدارسين للقانون والسياسة يعلمون أن قيام الاتحادات السياسية من أصعب الإجراءات لقيام الدول، حيث يتم الصراع والتنازع على المصالح والسلطات والموارد، وكثيراً ما تنتهي محاولات الاتحاد بالفشل. لكن المتتبع لخطوات قيام الإمارات يجد أنه على الرغم من صعوبة المخاض، فإن توفيق الله ثم إرادة أبناء الاتحاد قد تجاوزت ذلك كله. ولذا فحين تمر ذكرى اليوم الوطني يستشعر من عاش المرحلتين كيف كانت الإمارات وكيف أصبحت اليوم، وما تتطلع إليه في المستقبل، كما يستشعر دور القادة المؤسسين وفي مقدمتهم المغفورله بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، وما بذلوه من جهد لكي تصل الإمارات إلى ما وصلت إليه، وما تقوم به قيادتنا برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، من جهد للحفاظ على مكتسباتنا الوطنية والبناء عليها من أجل أن تستمر الإمارات في طريقها الذي رسمته لنفسها بعيداً عن أي مؤثرات، يمكن أن تقف أمام مسيرتها. لذا فإن مناسبة اليوم الوطني تمر علينا كل عام لتجدد العهد على التلاحم بين أبناء الإمارات قادة وشعب، كما تجدد العزم لدى كل فرد من أبناء الوطن على أن يستلهم لنفسه من مسيرة وطنه رؤيته للإسهام في بناء هذا الوطن حتى يوصل رسالته إلى أبنائه وأحفاده. كما أوصلها الآباء إليهم، وحتى تبقى الإمارات كما يراها الآخرون في أي مكان في العالم مثالًا للرقي والتقدم وبناء الإنسان مثل ذلك الرجل البسيط في لندن، بعد أن نزلت أمام الفندق نظر إليّ سائق سيارة الأجرة مبتسماً، وهو يقول: لديكم وطن يحق لكم أن تفخروا به!