استمر الجدل السياسي في مصر بعد أن قرر أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور التصويت على المسودة النهائية تمهيداً لقرار منتظر من الرئيس مرسي بدعوة الشعب المصري للمشاركة في الاستفتاء على الدستور الجديد في حين أعلن قضاة مصر رفضهم الإشراف على الاستفتاء. وجاء قرار الجمعية التأسيسية لوضع الدستور بالاستعجال بالانتهاء منه تفادياً للحكم المتوقع إصداره من المحكمة الدستورية بحل الجمعية. نادي القضاة بدوره صرح عضو مجلس إدارته المستشار سامح السروجي أن القضاة ملتزمون بقرارات رفض الإعلان الذي أصدره الرئيس، ومن بينها رفض الإشراف على الاستفتاء حول الدستور المعيب الذي لا يليق بمكانة مصر، لافتاً إلى أن الجمعية التأسيسية فقدت شرطاً مهماً وهو عدم التزامها بطرح المسودة النهائية للدستور لحوار مجتمعي قبل طرحه لاستفتاء شعبي. وكشفت الممارسة السياسية لـ«الإخوان المسلمين»، وفي ضوء الأحداث الأخيرة في مصر، أنها تمثل تهديداً للاستقرار ومستقبل الدولة المدنية. وحالة عدم الاستقرار قد تمتد إلى كل أرجاء الوطن العربي. كما أن هذه الممارسة تكشف زيف وادعاءات جماعات الإسلام السياسي في الوطن العربي والخليج حيث تُروّج بأنها عنصر أمن واستقرار للمنطقة والأنظمة السياسية فيها، بعد أن لبست هذه الجماعات رداء الإسلام. لقد تعاونت دول الخليج مع بعض هذه الجماعات واحتضنتها طوال الثلاثين عاماً الماضية، واستعانت الأنظمة بهذه الجماعات لضرب التيارات التقدمية والقومية والليبرالية، حتى وصل الأمر إلى إشراكهم بالوزارات في بعض دول الخليج. ومن المفارقات الغريبة أن القوى القومية والديموقراطية التي كانت تعادي تيارات الإسلام السياسي في السابق، تحالفت معها بعد الأزمة الدستورية في الكويت وصدور المرسوم الأميري بتقليص عدد الأصوات من أربعة إلى صوت واحد. تحالف القوى المدنية من قوميين تقليديين وتيارات وطنية ديموقراطية وقوى قبلية ضد الحكومة... منادين بأن معارضتهم نابعة من حرصهم على الإصلاح وحماية الدستور والمسيرة الديمقراطية، لكن أحداث مصر الأخيرة كشفت لنا زيف هذه الدعاوى والشعارات. «إخوان» الكويت، ومعهم التجمعات القبلية، حاولوا تغيير المادة الثانية من الدستور وأسلمة القوانين في الدولة، لكن الأسرة الحاكمة بالأمير، تصدت لكل هذه المطالبات. والتساؤل الذي يطرحه الجميع اليوم هو: ما موقف دول الخليج من أحداث مصر؟ صحيح أن ما يحدث في مصر شأن محلي يخص المصريين فقط، لكن كون مصر أكبر دولة عربية وكون الحزب الحاكم الجديد (الإخوان المسلمين) له امتدادات عربية ودولية واسعة، حيث تمتد تنظيمات «الإخوان» للخليج والأردن والمغرب وسوريا والعراق وغيرها... فهل من مصلحتنا في الخليج المراهنة على استقرار مصر تحت نفوذ «الإخوان»؟ ليس من مصلحة الخليج أن تتحول مصر إلى دولة دينية تحت حكم «الإخوان» لأن ذلك يشكل خطورة على أمنها واستقرارها. ويكفي دول الخليج المعاناة من استفزاز الجارة الكبرى المسلحة في الخليج، فنحن نرفض أن تكون منطقتنا منطقة صراع للطوائف والمذاهب.