واحد وأربعون عاماً مرت من عمر اتحاد «إمارات الساحل» التي تحول اسمها بعد الاتحاد إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، حق لمواطني الدولة ومحبيها أن يحتفلوا بها، فهي لم تكن مجرد سنوات يحسبها العدد، ولكنها كانت 41 عاماً من الإنجازات التي عبّرت بجلاء عن اختزال مجهود القرون في سنوات، وهي أعوام أنتجت مدرسة متفردة لم تماثلها أي من مدارس العصر الحديث في الرقي الإنساني وطبيعة الإنجازات. فقبل اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 1971 على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، كانت المساحة الحالية للدولة مهداً لعدد من الحضارات القديمة التي أقامها إنسان هذه الأرض قبل الميلاد وبعده، كحضارة «ميجان» و «ميلوخا» ومواقع أثرية تشهد عليها مثل أم النار والقصيص والجميرا والمليحة، وغيرها من الحضارات المتعاقبة في مختلف أرجاء الدولة، والتي كشفتها مختلف الحفريات، ودعمتها الآثار التي وجدت هناك. وبعد الميلاد قامت حضارات عديدة، ودخل سكان المنطقة الإسلام، وعايشوا حروب الردة، وكان لهم وجودهم المقدّر في مختلف الحضارات المتزامنة والتي تواصلوا معها كما تدل الآثار. وفي العصر الحديث كان للحضارة البحرية وجود كبير، فأم القيوين كانت أم القوتين، وفي أبوظبي ودبي ازدهرت تجارة اللؤلؤ، وفي رأس الخيمة والشارقة ملك القواسمة أقوى الأساطيل البحرية في المنطقة، وهكذا كان هو الحال لكل إمارات الدولة. تواتر الحضارات دليل مباشر على قدرة إنسان هذه الأرض على البناء والتكيف مع ظروفه المناخية والجغرافية والاجتماعية وكافة الظروف المحيطة به، وهو تكيف صقله وأنتج فيه هذه الإرادة التي عرف مفاتيحها مؤسس دولتنا الحديثة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيّب الله ثراه، والذي بدأ ببناء الإنسان قبل بناء المكان، لأنه كما كان يعبّر دائماً، يؤمن بأن الإنسان هو القادر على بناء المكان والمحافظة عليه، وبناء الإنسان مثّل كلمة السر الحقيقية لمعرفة ودراسة نظرية الشيخ زايد في هذا الخصوص، والتي مثّلت أعظم مدارس العصر الحديث. طريقة وسبل وكيفية البناء منهج مذهل في فكر زايد، فإنسان البداوة المتفلت، المعادي لبعضه البعض، وإنسان الساحل الذي يصارع الأهوال ويعيش في يقظة دائمة لصد الأعداء، وإنسان البيئة الجبلية الذي يعاني قساوة التضاريس، كل شريحة من هذه الشرائح كانت تحتاج حكمة خاصة، وتحتاج أسلوباً خاصاً، وفهماً خاصاً، وهو ما انتهجه زايد الذي تمكّن بقوة وعزيمة واقتدار من نسج نول كل هذه المجتمعات في لوحة واحدة متجانسة شكلت كتلة متماسكة، توحّدت أهدافها في خدمة الأرض، وذابت عصبياتها في التمسك بكامل تراب الوطن، وتحولت من مجتمع متفلت، تغير قبائله على بعضها بعضاً، إلى مجتمع مترابط يعيش في الوطن الواحد المتحد، ويحمله هدفاً يفاخر به كل مجتمعات الدنيا. وكان بناء الإنسان في فكر زايد يحمل معاني كثيرة، وأهم معانيه الأساسية هو تمتعه بكافة حقوقه التي أوجبها الله على ولي الأمر، ولذلك تجلت عدالة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، ومن بعده صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله في توفير كل سبل العيش الكريم التي جعلت من المواطن الإماراتي الأكثر رفاهية بين سكان المنطقة بشهادة مراكز محايدة، وهي مراكز تخصصت سنوياً في دراسة مستوى الرفاهية عند مختلف شعوب العالم. ومن المواد الأساسية في مدرسة زايد لبناء الإنسان، صقل الإنسان وتأسيس البنية التحتية القوية التي تعينه على ممارسة هواياته وأنشطته وصقل قدراته المختلفة التي يجب أن تجد التشجيع من الدول، وهي واحدة من الشروط الأساسية التي اتكأ عليها مؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان في إبراز طاقات الإنسان الإماراتي الذي كان يريد منه ألا يرضى بغير الفوز في سباق اختصار القرون في سنوات قصيرة. وكان البناء في فكر مؤسس الدولة يعتمد في أحد أهم أعمدة مكوناته على المعرفة الدقيقة بخصوصية المجتمع، ومعرفة عاداته وتقاليده، والقراءة الصحيحة لمزاجه وانفعالاته، والأهم من ذلك هو التقدير الجيد لقدراته الكامنة غير المرئية والإلمام الكامل بتاريخه، والتمازج معه. فالإنسان المواطن في مفهوم مدرسة زايد في بناء الإنسانية، ليس ذلك المتلقي الذي ينتظر الأوامر فيطيعها أو يتقاعس عن تنفيذها، لكنه الطاقة الخلاقة التي تتحدى نفسها في سبيل توظيف مقدراتها المختلفة في خدمة المجتمع ورفع اسم الدولة عالياً في كل المحافل العالمية، وهو الشخصية العاقلة الواعية المدركة التي تستطيع تميز الأعداء من الأصحاب، والقوية التي لا تنتظر أمراً للدفاع عن الوطن ضد كل مستهدف لحدوده وشعبه وحكامه وخصوصيته. لقد أنجبت الشعوب عبر الحقب التاريخية المتعاقبة عدداً من القادة الأفذاذ الذين كانت لهم يد في تغيير العالم، ونحن كشعب إماراتي حقّ لنا أن نحتفل ونعتز بمؤسس دولتنا، وهو شخصية تاريخية فذّة بكل المقاييس، ويختلف عن كل تلك الشخصيات التي وجدت أمامها أوطاناً جاهزة قامت بإصلاحها، ووجدت أمامها شعوباً في شكل المجتمعات الحديثة المتعارف عليه، فأصلحت من حالها، غير أن والدنا وملهمنا وقائدنا وباني دولة حضارتنا الحديثة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيّب الله ثراه، لم يجد شيئاً من ذلك، وبدأ من تحت الصفر، فبنى الإنسان قبل الدولة، ووحد النفوس قبل المساحات، وعمل بالإسلام الحقيقي الذي هو دين المجتمع الإماراتي المحافظ، فبنى دستور الدولة على تعاليم ديننا الحنيف، وحكم وأرسى دعائم الحكم على ذات الطريق، فكانت مدرسته في صناعة وبناء الإنسان نموذجاً يحتذى به، وهي من أنتجت صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، وأخاه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، وإخوانهما الحكام أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد، وأولياء العهود، والشيوخ الكرام، وكل عام وإمارات الخير بكل خير، وعاش اتحاد إماراتنا.