مرت 590 يوماً والنظام السوري يواصل قتل شعبه وتدمير بنية ومقومات البلاد وتهجير أهلها بدعم من روسيا وإيران والصمت الأوروبي تحديداً والذي يعني في مضمونه رسالة باستمرار الوضع على ما هو عليه. في بورما آلاف القتلى من المسلمين ومئات القرى التي أحرقت ومسحت من الوجود بمشاركة وتأييد نظام ميانمار الحاكم في حملة إبادة بشرية لم يشهد العصر الحديث مثيلاً لبشاعتها ولصمت العالم الغربي (الإنساني) حولها. كذلك أزمة المهاجرين إلى أوروبا والموت الذي يلاقونه قبل الوصول إليها أو خلال تشردهم فيها. والعنصرية التي لا تزال تمارس على غير الأوروبي في بعض دول الغرب... وغيرها من أوجاع ومآسي إنسانية يعيشها العالم كل لحظة يبدو أنها لم تصل إلى مسامع البرلمان الأوروبي. ويبدو أن قضية الإعدام والعمالة المهاجرة وأزمة "الإخوان المسلمين" في دولة الإمارات هي التي تقظ مضجعه وتشعره بتأنيب الضمير فيقرر أن يتصدى لها ويدافع عن حقوق الإنسان، لكن أين؟ في الإمارات! هذا البرلمان الذي لم نسمع صوته من قبل في مشكلات العالم وحقوق الإنسان (الحقيقية) كالعيش بسلام وأمان في دول فاشية وأنظمة فاسدة استبدت وطغت في شرق الأرض وغربها، ولا نعرف عنه سوى أزمة تفاوت الرواتب بين أعضائه المنتمين إلى الدول الدنيا التي تأكل الفتات، قياساً بزملائهم من الضفة الأخرى الأرستقراطية ومحاولة حلها بزيادة الحد الأدنى للأعضاء الفقراء منهم. وقلق المواطن الأوروبي من أن يكون ذلك على حساب الضريبة التي يدفعها. ماذا قدّم هذا البرلمان لقضايا العالم وحقوق الإنسان، خلال بيانه الإعلامي الأخير؟ بث فقرة خجولة عن "قلقه الشديد" لما يحدث في بورما لذر الرماد في العيون، كما يقولون، مقابل 15 فقرة عن الإمارات كلها مكررة، من "الملف الجاهز" الذي يتم التلويح به عند "الحاجة"، والتطبيل عليه منذ سنوات مثل: حقوق العمال، ومساواة المرأة، قبل أن يزيدوا عليها مؤخراً باختراع قضية الإعدام، وكذلك فقرة الحد من التعديات والقمع والترهيب ضد الناشطين في مجال حقوق الإنسان، أو بعبارة أخرى حقوق "الإخوان المسلمين"! النية المبيتة كشفتها الممارسات التي لجأ إليها الفريق المتبني للقضية، فما أن سمعت دولة الإمارات عن التقرير الذي حاولوا تجهيزه والتكتم عليه حتى "طلبت تأجيله لإتاحة الفرصة أمامها لطرح وجهة نظرها ضماناً لدقة التقرير وتوازنه وصدقيته"، إلا أنهم سارعوا بإقراره، كما أوضح معالي وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش.كان أمامهم، وهذا من أبسط مفاهيم العمل الديمقراطي والتعاون المشترك فيما بين المؤسسات البرلمانية، الاستعانة بالمجلس الوطني الإماراتي من باب الاستشارة للتأكد من دقة البيانات والإدعاءات، ولأخذ تعليقهم على الموضوع الذي يمس دولة الإمارات، حكومة ومجتمعاً. ما عادت الشعوب بتلك السذاجة، بل أصبحت أكثر ذكاءً وقد أتقنت، من كثرة التجارب والمواقف التي عايشتها أو فرضت عليها، قانون لعبة المصالح، والذي مارسته عليها الإمبراطوريات العظمى في الأزمنة المختلفة. سيناريو الغايات يتكرر في الحاضر مثلما كان في كل الأزمنة، لكن الدول الكبرى غيّرت نهجها فيه، مواكبةً لمستجدات الواقع ولغة العصر الجديد، لتكون أكثر ديمقراطيةً وتمدناً فأصبحت تستخدم وسائل حضارية مثل حبل المساعدات وقروض الدعم ونظريات محاربة الفساد ومتطلبات منظمات حقوق الإنسان التي تحركها في الخفاء كلما أرادت تنفيذ أمر ما. تستخدم هذه الدول مختلف الوسائل الممكنة وبالأساليب الناعمة ونظرية "الفوضى الخلاقة" لتحقيق أطماعها، لكن الأجندات كما هي، خلفها يسكن ذلك الوجه الاستغلالي القبيح. دبلوماسية الإمارات من خلال سفاراتها، قامت بدورها في تفنيد مثل هذه الافتراءات وتوضيح حقيقة التشويه والحملات التي تشن ضدها لحكومات الاتحاد الأوروبي وغيرها، لكن المجلس الوطني الاتحادي الذي يفترض أن يكون شريكاً مع الاتحاد البرلماني الأوروبي في عضويتهما بالاتحاد البرلماني الدولي، عليه أن يواجه، ويسأل، ويكون خطابه واضحاً وقوياً لمثل هذه الجهات، ويمكنه أن يشكل تضامناً مع الاتحادات الأخرى العربية والآسيوية ضد هذه الأساليب التي تمارس استغلال هذه المنابر البرلمانية من قبل جهات وتنظيمات خاصة وشركات علاقات عامة دولية باسم الحرية والديمقراطية. كذلك المجتمع عليه دور في التصدي لهذه الحملات التي تشن من جهات متعددة ويعرف مصدرها أو من يغذيها، فالحديث اليوم في فضاء الإعلام الجديد، أكثر تأثيراً وانتشاراً، ولابد أن تفهم هذه الشعوب واقع وحقيقة المجتمعات الأخرى التي تتحدث عنها برلماناتها بكل هذه السلبية. فقبل أيام مثلاً كتب سلطان سعود القاسمي في موقع إلكتروني بواشنطن يُعنى بمتابعة أحداث الشرق الأوسط، مقالاً مهماً تحدث فيه عن أن "اعتبار الإسلاميين السياسيين كمدافعين عن حقوق الإنسان هو إهانة لنشطاء حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، وجاوب بالحجة والدلالات على ذلك. كم كاتب وكاتبة عندنا يجيدون التحدث بلغة تفهمها وتستوعبها تلك المجتمعات، وفي وسائل إعلامهم. هذا المبادرة التي قام بها الكاتب لو وجدنا من يكررها، مع اختلاف وتعدد المنابر، لكانت لنا أصوات إعلامية دولية قوية ومؤثرة لأنها متمكنة وعندها الدليل والفهم لما يجري. مثل هذا التقرير والذي لا تأثير له سوى أنه يمثل فقاعة إعلامية مطلوب منها أن تكبر وتكمل مشروع تشويه صورة الدولة وإنجازاتها وجرها إلى حالة الدفاع والابتزاز، قد يعطي الإمارات مزيداً من المناعة ضد ممارسات هذه المؤسسات وما خلفها من هيئات وأشخاص وأغراض، إنها لعبة الوصاية تتكرر من جديد، لإملاء شروطهم، والتدخل في سيادة الدول وقراراتها ومصالحها!