موقف البرلمان الأوروبي من التقرير حول الوضع الإنساني في الإمارات أشبه بقصة من التراث الشعبي العربي؛ حيث يحكى أن هناك "تاجراً عيَّاراً" -محتالاً- اعتاد استغلال زبائنه الذين لا يعرفون عن مغامراته شيئاً، فيوهمهم بأن السلع التي يتاجر بها جيدة، وبالتالي لابد أن تكون غالية الثمن. وبما أن الزبائن من النوعية التي لا تحب أن تستكشف الأمور بنفسها وتبحث عن حقيقة الأسعار والسلع، فإن هذا التاجر كان يراهن على هذا الكسل (المقصود أحياناً) في الفائدة التي يجنيها منهم. اكتشف أحد مواطني دولة "التاجر العيار" حقيقته، وحاول أن يوضح للزبائن المخدوعين حقيقته لكنه لم ينجح، وحاول أن يرشدهم إلى إمكانية التحقق من كلامه بالسؤال عنه، لكن أحداً لم يستمع إليه إلى أن صدمتهم الصدفة بحقيقة التاجر، لكن بعد فوات الأوان. فقد انتقد البرلمان الأوروبي يوم الخميس الماضي وضع الحريات وحقوق الإنسان في الإمارات، واعتمد في موقفه -حسب ما جاء في صحيفة "الخليج" الإماراتية- على تقارير أعدتها منظمة "هيومن رايتس ووتش" وبعض الجمعيات السياسية ذات التوجهات الإسلامية. وكما هو معروف فإن هذه المنظمات منتشرة في أوروبا منذ زمن، حيث هرب قادتها من ملاحقة السلطات القضائية في دولهم الأصلية، كما عانت المجتمعات الأوروبية من مواقف وسلوكيات هذه التيارات، لكن الواضح أنها لم تستوعب الدرس. طبيعي في هذه الحالة أن يحمل التقرير مغالطات حقيقية عن الإمارات بسبب ما تشهده الدولة من حملة إعلامية تقودها تيارات إسلامية تدّعي الليبرالية وتستخدم مفردات تدغدغ ممثلي البرلمانات الأوروبية، اعتقاداً بأنهم يؤمنون بحرية الرأي والتعايش السلمي بين الشعوب، وبحقوق المرأة. موقف الاتحاد الأوروبي أقرب إلى أن يكون في موقع الزبون المخدوع، ومنظمة هيومن رايتس والجمعيات السياسية أشبه بموقف "التاجر العيار" الذي يحاول استغلال الزبون بعيداً عن أعين الرقابة والمعلومة؛ وبالتالي من حق التاجر أن يضع للسلعة السعر الذي يوافق هواه مادام هناك استغفال للزبون الكسول والمتعنت في مواقفه والذي لا يريد أن يقف على حقيقة السلع وأسعارها، ويرفض أي نصيحة من الآخرين، وبالتالي لا يكون أمام من يريد تقديم النصيحة سوى أن يتجاهل الزبون ويتركه ليعيش في غفلته. الإمارات لا تعرف سبباً واضحاً للهجوم عليها من قبل وسائل الإعلام الأوروبية وبعض المؤسسات البحثية والسياسية الأوروبية بين الحين والآخر، والسماح للخارجين على القانون ببث المغالطات، مع أنها -أي الإمارات- دولة تستضيف جالية أوروبية كبيرة وتعيش فيها فترات طويلة، وتشهد بعكس ما ينقله هؤلاء. ولا تعرف الإمارات سبباً لتعجّل البرلمان الأوروبي التصويت على تقرير يمكن دحضه بسهولة ويرفض إعطاء الفرصة لتوضيح موقف الإمارات، فالأمر يوحي بوجود سوء نية "مبيّت" لتشويه صورة الدولة أمام الرأي العام العالمي، وكأن إنجازاتها التنموية أصبحت دعوة إلى نقدها! أي شخص يمتلك، ولو معلومة بسيطة عن الإمارات أو يريد أن يكون موضوعياً في تناولها، يستطيع أن يتأكد من عدم صحة ما يتناوله التقرير المجافي للواقع. كان بإمكان أعضاء البرلمان الأوروبي تأكيد حسن نيتهم مع الإمارات ومن الهدف الحقيقي لتصويتهم، وذلك من خلال تمحيص المعلومات التي يحملها التقرير؛ إما بالتواصل مع السفارات التابعة لدول الاتحاد الأوروبي أو مع ممثل الإمارات في بروكسل مقر البرلمان الأوروبي، أو بالتواصل مع حكومة الإمارات، فهي دولة متحضرة ومتعاونة مع المجتمع الدولي في كل القضايا، والدليل على ذلك تعاونها في قضية "الركبية" وقضية المتاجرة في البشر. لكن في الأمر بعداً سياسياً واضحاً لا يمكن استبعاده، خاصة وأن تحركات الإمارات في اللحظة الأخيرة كادت تسبب حرجاً للذين "طبخوا" التقرير. الطابع الأساسي لمثل هذه التقارير هو تعديل مواقف دول تجاه قضايا معينة. ولكن آلية التصويت لهذا التقرير أزالت الهدف الأساسي. التصويت الأوروبي إما أنه يعبر عن عدم احترامه لرأي العديد من المنظمات الدولية التي تشهد للإمارات، أو عدم احترامه لرأي مواطني الدول الأوروبية الذين يشيدون بالإمارات، ومنهم دبلوماسيوها، أو لموقف دولة الإمارات، وبالتالي فإن همهم ليس البحث عن الحقيقة بل تشويه سمعة الإمارات فقط. وما يؤكد ذلك أن التقرير يستخدم قضايا "رنانة" يتفاعل معها الرأي العام العالمي بسهولة، وهي قضايا تترك صدى لدى الناس خاصة البسطاء منهم، ما يعني أن "المكر السياسي" كان موجوداً في إعداد التقرير. فهي نظرياً توحي بأنها مسألة إنسانية وحقوقية، لكنها في الأصل سياسية. والذين صوتوا إما أنهم يدركون موقف الإمارات واختاروا الصمت ولم تكن لديهم الشجاعة للرد، وبذلك ارتكبوا ذنباً في حق شعوبهم وفي حق دولة لها حضورها بين الأمم، وإما أنهم لا يختلفون عن معدي التقرير الذين كتبوه كما يحلو لهم، وبالتالي صوتوا لاسترضائهم طمعاً في مكاسب معينة، وهذا أمر لا يمكن استبعاده، خاصةً ونحن نعيش في عصر "المتحولون" -وبخاصة المتحولون لأسباب مالية- وبذلك يكون التقرير "كاذباً"..! هناك مجتمعات إنسانية كانت تتمنى أن يضم التقرير وضعها الإنساني من أجل تعديله، لكن عدم الإنصاف والموضوعية أدى إلى تمييع الحقيقة وبالتالي النفخ في قضايا غير حقيقية. المسألة تبدو أنها كانت استغلال البرلمان الأوروبي لتسجيل موقف من قبيل التأثير في موقف الإمارات ضد من يحاولون المساس باستقرار مجتمعها وتنميته. قلقنا نحن في الإمارات ليس من التقرير، لأن لدينا ما يدحضه، وإنما من المواقف المتحولة التي أحياناً تكون معك وأحياناً تكون ضدك. كما أننا مطمئنون لما نعرفه من الواقع الإماراتي ولتواجد 202 جنسية، مما يعزز ثقتنا تجاه القضايا المثارة. أما مسألة الانزعاج فذلك من باب المطالبة بحسن الظن بالإمارات.