ازدادت حدة الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية خلال الأيام الأخيرة؛ غير أنها لم تركز سوى بقدر قليل للغاية على الشؤون الخارجية. ويرجع هذا لحقيقة أن المتحدي، ورمني، لم ينته بعد من صياغة سياسة خارجية مفصلة خاصة به، وهو ما يجعل من الصعب التنبؤ بنوعية السياسة التي سيتبعها، إذا ما تمكن من هزيمة أوباما في الانتخابات. وكان من المفترض أن تتركز المناظرة الثالثة التي عقدت في الثاني والعشرين من أكتوبر الحالي على السياسة الخارجية بالكامل، غير أن المرشحين وجدا مع ذلك طرقاً لإدخال الموضوعات الداخلية فيها، لإدراكهما مدى اهتمام الجمهور بهذه الموضوعات حالياً. فعندما كانا يُسألان عن مكانة أميركا في العالم المعاصر، كانا يردان بالقول إن ذلك يعتمد على امتلاكها لاقتصاد قوي في المقام الأول. وكانت الملاحظة اللافتة للنظر، هي ما قام به رومني عند مناقشة قضايا السياسة الخارجية أثناء المناظرة المذكورة، وذلك عندما فاجأ الجميع بالتحول عن تصريحاته السابقة، والاقتراب أكثر في مواقفه بشأن تلك القضايا من أوباما، بحيث لم تعد هناك بين الاثنين سوى مسافة ضئيلة نسبياً بشأنها. كانت السياسة الأميركية تجاه إسرائيل، بطبيعة الحال، واحدة من موضوعات السياسة الخارجية التي اهتم بها المرشحان بشكل خاص؛ حيث ورد ذكرها 34 مرة أثناء المناظرة، وبذل أوباما ورومني كل ما في وسعهما للتعبير عن دعمهما القوي لإسرائيل، وهو ما يفعله دائماً كل المرشحين للرئاسة الأميركية. وبالنسبة لرومني كان التعبير عن دعمه القوي لإسرائيل أمراً سهلا، وهو ما يرجع لطبيعة قواعده الانتخابية في أميركا. فهو لا يتوقع كسب غالبية أصوات الأميركيين العرب أو المسلمين، لكنه يعرف يقيناً أن استطلاعات الرأي العديدة التي أجريت خلال الشهور الأخيرة قد بينت أن نصف عدد الأعضاء المسجلين في حزبه الجمهوري يريدون لسياسات الولايات المتحدة أن تميل في اتجاه إسرائيل، بينما لا تدعم سوى أقلية منهم الفلسطينيين. ونظراً لأن أوباما كان قد أعرب في بداية رئاسته عن اهتمامه بالعمل مع الدول العربية والإسلامية وحل الصراع العربي الإسرائيلي، فإن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان حالياً هو: ما الذي يدعوه والحال هذه، إلى التأكيد بشكل متنام على دعمه لإسرائيل؟ قد تختلف الإجابات، لكن السبب كما يبدو لي هو أن المنافسة في انتخابات هذا العام من النوع الذي لا يمكن التنبؤ مسبقاً بمن سيفوز به، إذ يمكن أن يكون أي من المرشحين هو الفائز. والعنصر المرجِّح في هذه الانتخابات هو الفوز بغالبية الأصوات في ولايتي أوهايو وفلوريدا على وجه التحديد. ومعروف أنه يوجد بتينك الولايتين عدد كبير من اليهود الذين يهتمون اهتماماً كبيراً بإسرائيل، ويتبرعون بأموالهم للمرشح الذي يتخذ موقفاً داعماً لها. وقد أمضى أوباما الكثير من الوقت أثناء حملته الانتخابية في الولايتين، ويريد أن يؤكد للناخبين اليهود فيها أنه يقف بقوة وراء إسرائيل في هذه المرحلة الحاسمة من المسيرة الانتخابية. وكان أوباما قد أعرب عن اهتمامه بالشعب الفلسطيني، ودعمه لحل الدولتين، لكنه ألقى باللائمة مؤخراً في عدم حدوث تقدم في المفاوضات على القيادة الفلسطينية، حيث قال: "ليس هناك أحد عانى مثلما عانى الشعب الفلسطيني فشل قيادته في الاعتراف بإسرائيل، وشجب العنف، واتخاذ موقف جاد حيال المفاوضات من أجل السلام والأمن في المنطقة". أما رومني، فألقى باللوم على الشعب الفلسطيني ذاته في تعثر المفاوضات، وفي تصريح له حظي باهتمام وتداول إعلامي كبيرين، أدلى به أمام جمع من أنصاره المتعصبين، قال: "أرى أن الفلسطينيين غير مهتمين بالسلام على أية حال... فهم لأسباب سياسية يبدون ملتزمين بهدف تدمير وإزالة إسرائيل والقضاء عليها، وكل تلك الموضوعات الشائكة، ما يجعلني مقتنعاً بأنه ما من مخرج للمشكلة". وهذا التشاؤم العميق حول إمكانية تحقيق سلام بين العرب والإسرائيليين، تعرض للانتقاد من جانب بعض الأعضاء المعتدلين في حزبه الجمهوري، ورغم ذلك لم يتنصل رومني من تصريحه ذاك. وهذا التقارب بين موقفي المرشحين لا يقتصر على موضوع الصراع العربي الإسرائيلي، حيث نجد أن رومني يعبر حالياً عن دعمه لسياسة أوباما الخاصة بتشديد العقوبات ضد إيران، وتأجيل التدخل العسكري واللجوء إليه كحل أخير فقط. لكنه (رومني) طرح مقترحاً إضافياً بهذا الشأن عندما قال:"سوف أعمل على التأكد من أن الرئيس الإيراني نجاد سوف يدان بسبب موقفه من المذبحة والذي أرى أنه يرقى إلى التحريض على ارتكاب المذابح... وسوف أعمل على محاكمته وإدانته على هذا الموقف". وبالنسبة لموضوع الدفاع، حاول رومني أن يُظهر أوباما في صورة الرئيس الضعيف، وأنه لم يبذل سوى القليل من الاهتمام بهذا الأمر، وهو ما ردّ عليه أوباما بأسلوب بدا فيه، وكأنه يخاطب طفلاً غريراً، حاول من خلاله إظهار أن المرشح الجمهوري ليس لديه أي خبرة بالشؤون العسكرية وأنه غير مؤهل لشغل منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية إذا ما أصبح رئيساً. الأميركيون الذين يؤيدون أوباما يوافقون على ذلك، بيد أن الكثير منهم يأملون أن يستطيع -إذا ما أُعيد انتخابه لولاية ثانية- العودة مجدداً لسياسته الأقل تحيزاً والأكثر تقدمية حيال مشكلة الشرق الأوسط، ليعمل هذه المرة من أجل تحقيق السلام العربي الإسرائيلي، إنهاءً لصراع طال أمده. ويليام رو كاتب ودبلوماسي أميركي متقاعد مختص بالشؤون العربية