قررت شركة المراجع التي تصدر موسوعة دائرة المعارف البريطانية إيقاف إصدار نسختها الورقية المشهورة المؤلفة من 32 جزءاً، بعد 244 عاماً من أول إصدار لها. وقالت الصحف، في 16-3-2012، إن الشركة ستركز في المستقبل، على زيادة "انتشارها الرقمي"، حيث تواجه منافسة شديدة من مواقع الإنترنت مثل "موسوعة ويكبيديا" المجانية. اعتادت الشركة بيع وايصال موسوعاتها الورقية إلى البيوت، وباتت تحقق 85 في المئة من دخلها عبر مبيعات الإنترنت. وقامت الشركة أخيراً بإطلاق نسختها الرقمية على أجهزة الكمبيوتر اللوحية. وأضاف التقرير المنشور في صحيفة "القبس" إنه على الرغم من أن إيقاف إصدار النسخة المطبوعة تأثر بتغير المستهلك، فإن سهولة وسرعة تحديث المعلومات لعبتا دوراً كبيراً في اتخاذ القرار. فالموسوعة الورقية "تصبح بالية بمجرد انتهاء طباعتها. لكن المحتوى الإلكتروني قابل للتحديث دائماً". وفي تقرير ثان نشرته الشرق الأوسط في 3-4-2012، جاء أن المسؤولين في الشركة الناشرة أكدوا وجود أربعة آلاف مجموعة من طبعة 2010 للموسوعة، كل منها في 32 مجلداً كما ذكرنا. إلا أنه بعد أقل من ثلاثة أسابيع تم بيع معظم تلك المجموعة! فقد تدافع المشترون للحصول على آخر النسخ المطبوعة من الموسوعة، ولم يبق منها إلا ألف مجموعة فحسب. وكانت الشركة قبل إعلان هذا "التحول الإلكتروني الرقمي" تبيع ما يقرب من ستين مجموعة أسبوعياً بـ 1395 دولاراً للمجموعة الواحدة. ومنذ ذلك الوقت بلغت المبيعات 1050 نسخة أسبوعياً أي 150 نسخة يومياً بنفس السعر. وكانت ذروة مبيعات الشركة سنة 1990، عندما بلغت المبيعات 120 مجموعة. وقال "جورجي كوز" رئيس شركة الموسوعة، "عندما كان الأفراد على قناعة بأن الموسوعة موجودة للأبد لم يكن هناك تدافع. إلا أنها أصبحت الآن مثل عملة نادرة". إن تجارة وتداول المجموعات والكتب القديمة والنادرة ربما كانت من أنشط مجالات البيع والشراء الثقافية في الولايات المتحدة وغيرها. وكانت "الموسوعة البريطانية" قد هيمنت على نشرها مؤسسات أميركية حتى اشترتها شركة سيرز روباك الشهيرة ، عام 1920، ولا تزال المكتبات تبيع نسخها القديمة للموسوعة البريطانية طبعات متوالية تحمل كل منها سمات مرحلة صدورها واهتمامات أبناء ذلك العصر. ومن هذه الطبعات المتميزة الأولى التي صدرت في ملازم ابتداء من 1768، ثم صدرت في ثلاثة مجلدات سنة 1771. والطبعة الثالثة سنة 1788 ولم يكتمل صدور ملازمها الأسبوعية الثلاثمائة إلا سنة 1797 في أكثر من 14500 صفحة و542 لوحة. ثم تم إصدار ملحق ضخم للموسوعة في مجلدين في 1801. وبدأت الاستعدادات لإصدار الطبعة الرابعة من الموسوعة سنة 1800، ولم تنته إلا بعد عشر سنوات! ومرّت بالموسوعة الكثير من الظروف والتحولات قبل أن توفق عام 1875 في إصدار طبعتها التاسعة التي اشتهرت بجودة مادتها وتقدير الباحثين لمستوى إعدادها. وقد باع ناشرها خلال 23 سنة من صدورها عشرة آلاف مجموعة فقط الواقعة في 25 مجلداً لكل منها. بينما نجح الناشر الأميركي "تشالز سكربنر" في بيع 45 ألف مجموعة من الموسوعة في الولايات المتحدة. ولما لم تكن قوانين حقوق النشر الدولية مقرة آنذاك، كان باستطاعة أي ناشر أميركي طباعة أي كتاب يصدر في أي مكان من العالم، ونشره في الولايات المتحدة. وبالفعل صدرت نسخ عديدة مشوهة من هذه "الطبعة التاسعة" في الولايات المتحدة، لم تكن جميعاً بمستوى النسخة القانونية. مما اضطر المحاكم الأميركية في نهاية الأمر إلى التدخل ووضع حد لهذا الفراغ القانوني. ومع نهاية القرن التاسع عشر تسلم الناشرون الأميركيون تسويق الموسوعة عبر العالم، فوصلت إلى كل أركان العالم. وفي عام 1901 قام الأميركيون بشراء كل ما يتعلق بالموسوعة ... فأصبحت في الواقع دائرة معارف أميركية، وإن احتفظت باسمها التاريخي المعروف. وبدأت سنة 1903 عمليات التحضير لأشهر طبعات الموسوعة الحادية عشرة ، والتي صدرت ما بين 1910 و 1911 في 29 مجلداً، ضمنها مجلد الفهرس. كانت هذه المجموعة نقطة تحول في تاريخ الموسوعة لجودة تحريرها وحسن طباعتها، حيث كان لجامعة كمبردج البريطانية دور رائد في ذلك. إلا أن صدورها جاء وسط ظروف سياسية واقتصادية عاصفة، ومع اشتعال الحرب العالمية الأولى وجدت الموسوعة نفسها في حالة إفلاس تقريباً، واشترتها شركة "سيرز"، كما أشرنا منذ قليل، وبسبب التأثير الهائل للحرب العالمية على الدول والأحداث والاختراعات والواقع الدولي، صدرت ملاحق جديدة للموسوعة في ثلاثة مجلدات بإشراف كبار الباحثين الإنجليز والأميركيين. واعتبرت هذه الإضافة بمثابة الطبعة الثانية عشرة للموسوعة. وفي عام 1926، ظهرت ثلاثة مجلدات تتناول نفس مواد الملحق السابق من نظرة أوسع بعد أن جرت تحولات مشهودة في مجالات العلم والحياة والتكنولوجيا. وهكذا ظهرت الطبعة الـ14 للموسوعة في 29 مجلداً، مع فهرس وأطلس، في سبتمبر 1929.. عشية الكساد الكبير وانهيار بورصة نيويورك! مرّت الموسوعة البريطانية بعد ذلك بفترة من الركود، وصارت تطبع مراراً دون إضافات حقيقية فتراجعت المبيعات، وقررت الإدارة تغيير الهيئة العلمية المشرفة عليها وطاقم التحرير قبل إصدار أي طبعة جديدة. وما أن شاع هذا الخبر بعد تسربه حتى انحدرت مبيعات الموسوعة أو توقفت بانتظار التجديد. وقامت مؤسسة "سيرز" بضخ مبالغ طائلة لعدة سنوات تغطية لمصاريف إحياء الموسوعة. وساد شعور بأن نظرة الجمهور وسبل استفادة الجمهور من الموسوعات قد اعتراها التغيير ولا بد من ملاحقة مثل هذه التطورات. وفي عام 1947 ظهرت الموسوعة البريطانية للناشئة وأطلس تاريخي لتطور الأحداث منذ أقدم العصور حتى عام 1934. وأصدرت المؤسسة كذلك أطلساً تفصيلياً للعالم عام 1942. وكانت شركة "سيرز" قد أهدت الموسوعة وحقوق إصدارها قبل عام إلى جامعة شيكاغو. وعندما أبدت الجامعة شكوكها في قدرتها على تحمل مصاريف إصدارها تحملت شركة "سيرز" التكلفة، وتولى مسؤولون من الشركة والجامعة إدارة إصدار الموسوعة. وعندما أهدت شركة "كوداك" للتصوير مكتبتها التعليمية وأرشيفها التعليمي للموسوعة تأسست شركة تابعة للموسوعة توزع هذه المواد التعليمية على نطاق واسع. أعيد ترتيب وبناء الموسوعة البريطانية مع الطبعة 15 سنة 1974 في 30 مجلداً. وجاء في مقدمتها أن اللجنة المشرفة على تطويرها حرصت على أن تتسم بست ميزات: المرجعية، الشمول، التركيز الموسوعي، سهولة الاستفادة منها، الدقة، والتوجه العالمي. فقد كتب المادة المتعلقة بالطاقة الكهربائية أحد أعضاء اللجنة اليابانية للطاقة الذرية، والمادة حول "الاندماج النووي" أحد العلماء الروس، ومادة الإنفاق العسكري باحث إنجليزي، كما تولى أحد الأستراليين الكتابة عن الروائي الروسي فلاديمير نابوكوف، وكتب مؤرخ كندي "تاريخ روما"، في حين قام باحث ألماني بالكتابة عن تاريخ الصين ... وهكذا. ومن بين عشرات أسماء الباحثين والمساهمين في إعداد الموسوعة الكثير من الباحثين والدبلوماسيين المسلمين والعرب، مثل إبراهيم أبولغد، ومصطفى محمد صالح - عالم بحار من مصر، ومحمد صديق فرهنك - مؤرخ أفغاني، ومحمد شمس الحق - سياسي من بنجلاديش، وزين العابدين راهنما من إيران، والباحث اللبناني المعروف د. كمال سليمان صليبي. وتعني كملة "إنسكلوبيديا" باليونانية، التي هي منبعها، دائرة أو نظام كامل للمعرفة. وقد استخدمت للمرة الأولى في العصور الحديثة سنة 1559، حيث كانت كتب المعارف العامة تسمى قبل ذلك بأسماء أدبية أو تسمى بالقواميس. وقد اتسع تداول الكلمة مع ظهور الموسوعة الفرنسية التي أشرف عليها "ديدرو" قبيل الثورة الفرنسية، والتي كان لها أشد الأثر في ثقافة العصر وفي الثورة نفسها ، كما نالت شهرة فريدة لجمال ودقة مجلد اللوحات في الموسوعة، حيث طبعت مرة أخرى في القرن العشرين. للموسوعات كما هو معروف مشاكلها. فطول المادة وعمقها ومدى استخدام المصطلحات الاختصاصية من أبرز نقاط الجدل في تحريرها. ويتفق معظم الخبراء على أن تأليف الكتب أسهل من كتابة البحوث للموسوعات. كما أن هيئة إصدار الموسوعة تقوم بدراسة مساهمات الكتاب حول شخصية ما أو تعريف فكرة أو تاريخ دولة، وكثيراً ما يستدعي الأمر بعض التعديلات والمراجعات وربما إعادة كتابة المادة. ومن المشاكل انحياز الكتاب وأهوائهم. وقد اتهمت الموسوعات عبر التاريخ الميل لوجهات نظر معينة. إذ لا يسهل على الدوام الكتابة عن نظرية التطور مثلاً أو الرأسمالية والاشتراكية أو الحروب دون الانطلاق من بعض المعطيات الخاصة أحياناً. وتعاني الموسوعات من اختلاف دول العالم حول خرائط الدول وخطوط الحدود. وكانت هذه مشكلة كبرى في أوروبا خلال القرن العشرين وما قبله، وهي اليوم من مشاكل العالم العربي وبلدان العالم الثالث.