كان الهجوم على القنصلية الليبية في بنغازي الذي أدى لمقتل السفير "كريس ستيفنز" وثلاثة من الدبلوماسيين الأميركيين الآخرين، هو موضوع السياسة الخارجية الوحيد تقريباً، الذي برز في المناظرة الرئاسية الثانية، ومن المؤكد أنه قد برز مرة أخرى في المناظرة النهائية التي خصصت بالكامل للسياسة الخارجية. في المناظرة الثانية، كان معظم التركيز على ما إذا كان الرئيس قد وصف الهجوم على القنصلية بأنه" عمل إرهابي"؛ أم لا. وفي الحقيقة أن الأدلة على هذه الجزئية تحديداً تتسم بالالتباس. ففي التصريح الذي أدلى به الرئيس في حديقة الورد بالبيت الأبيض في الثالث عشر من سبتمبر، شجب الرئيس بالفعل"أعمال الإرهاب"؛ ولكن لم يكن واضحاً ما إذا كان يشير إلى الحادث عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة أم الحادي عشر من سبتمبر 2012 في ليبيا. مع ذلك، هناك موضوع واحد لا يشوبه التباس وهو ذلك النقص الفادح، والمعوق، والخطر، للأمن في ليبيا بعد إطاحة معمر القذافي العام الماضي. والسؤال الذي كان يشغل بال المراقبين عندما كانت المعارك مستمرة بين قوات القذافي والثائرين هو: هل هناك خطة لتوفير الأمن ومنظومة حكم بعد سقوط القذافي الذي بدا حتمياً في ذلك الوقت؟ كان بمقدور الولايات المتحدة إرسال قوة حفظ سلام دولية خصيصاً لهذا الغرض على غرار ما حدث في كوسوفو والبوسنة، ولكن هذا الخيار لم يحظ باهتمام جاد، سواء في واشنطن أو في بروكسل مقر الاتحاد الأوروبي. ربما كان من الأفضل ألا يحدث هذا لأنه من المؤكد أن القوات الأجنبية التي كانت ستتواجد على الأرض الليبية كانت ستتعرض للاستهداف من نفس القوى الجهادية التي قتلت السفير الأميركي، وهاجمت السفير البريطاني قبل ذلك. والشيء المؤكد أن "الناتو" لم يكن لديه خطة(ب) في ليبيا، وهو ما يقودنا إلى السؤال التالي: إذا لم يكن "الناتو" والجامعة العربية ينويان إرسال قوات حفظ سلام لليبيا... فما الذي كان يمكنهما فعله لضمان إرساء قدر من الأمن في هذا البلد عقب سقوط القذافي؟ الإجابة: ليس الكثير. بعد سقوط القذافي تعاونت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية(سي.آي.إيه) مع حلفائها الليبيين من أجل تأمين مخزون القذافي من الأسلحة الكيماوية، وعلى بعض الكميات من الصواريخ المضادة للطائرات من النوع الذي يطلق من الكتف، غير أن الولايات المتحدة لم تفعل شيئاً لمساعدة الحكومة الجديدة في طرابلس على نزع سلاح المليشيات واستعادة الأمن والنظام. وقد أدى ذلك لترك حكام ليبيا الجديد تحت رحمة الآلاف من الرجال المسلحين في الشوارع الذين كانوا يتلقون أوامرهم من أمراء الحرب المحليين، أو ربما من لا أحد على الإطلاق. ويمكن القول هنا إن إدارة أوباما قد وقعت في أخطاء مماثلة لتلك التي وقعت فيها إدارة جورج بوش في العراق وأفغانستان، وإنْ كان على مستوى أقل بكثير: فهي لم تفعل الكثير لضمان ملء الفراغ الذي نشأ عن سقوط الحكم الديكتاتوري في ليبيا؛ كما أنها أضاعت وقتاً طويلاً قبل أن تهتم بموضوع الأمن في هذا البلد بشكل عام. ففي الشهر الأخير فقط، وقبل الهجوم على القنصلية في بنغازي بأيام قليلة، تقدمت وزارة الخارجية ووزارة الدفاع الأميركيتين بطلب للكونجرس لتخصيص مبلغ 8 مليون دولار لإرسال فرق قوات خاصة لليبيا للمساعدة على تأسيس قوات عمليات خاصة ليبية قوامها 500 جندي على غرار القوات الخاصة عالية الكفاءة التي تم تكوينها في العراق وأفغانستان والتي قامت بعمليات في غاية الأهمية من أجل بسط نفوذ الدولة وتوفير الأمن وقدر كبير من الاستقرار. كانت تلك فكرة جيدة، ولكنها أقل مما ينبغي، فضلاً عن أنها جاءت متأخرة أكثر من اللازم. فأول سؤال يخطر على الذهن هنا هو: لماذا لم تطرح هذه الفكرة منذ عام تقريباً عندما تمت إطاحة القذافي؟ وهناك سؤال آخر هو: ما الذي يدعو لقصر القوة على 500 جندي فقط؟ فهذه القوة حتى لو تبين أنها على مستوى عال للغاية من الكفاءة لن يكون بمقدورها السيطرة على الآلاف من رجال المليشيات. هناك حاجة لمشروع أكثر طموحاً من ذلك يتم تبنيه ليس فقط من جانب الولايات المتحدة، وإنما من جانب نفس الحلفاء الأوروبيين والعرب الذين شنوا الحرب لإطاحة القذافي؛ على أن يكون هدف هذا البرنامج المساعدة على بناء دولة في ليبيا قادرة على السيطرة على كامل ترابها الوطني. لن يتطلب هذا إرسال قوات برية كبيرة وإنما مجموعات من المدربين والمستشارين فقط، كما يمكن في هذا الإطار أيضاً إرسال بعض القوات الليبية لتلقي التدريب في دول أجنبية، كما حدث على سبيل المثال عندما تم إرسال بعض مجندي الشرطة العراقيين للتدريب في الأردن. إن بناء الأمم، أو على وجه الدقة(بناء الدول كما في حالتنا هذه) مهمة غاية في الصعوبة وتحتاج إلى وقت طويل، ولكنها مع ذلك مهمة لا مفر منها، إذا ما كنا نريد تجنب التعرض للمزيد من الإخفاقات مثل الهجوم المدمر الذي وقع على قنصليتنا في بنغازي. ماكس بوت محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم.سي.تي إنترناشيونال"